ولقد أرسل كل رسول من هؤلاء إلى قومه. فقال: «يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» .. وقال كل رسول لقومه: «إني لكم ناصح أمين»،معبرا عن ثقل التبعة وخطورة ما يعلمه من عاقبة ما هم فيه من الجاهلية في الدنيا والآخرة ورغبته في هداية قومه، وهو منهم وهم منه .. وفي كل مرة وقف «الملأ» من عليه القوم وكبرائهم في وجه كلمة الحق هذه ورفضوا الاستسلام للّه رب العالمين. وأبوا أن تكون العبودية والدينونة للّه وحده - وهي القضية التي قامت عليها الرسالات كلها وقام عليها دين اللّه كله - وهنا يصدع كل رسول بالحق في وجه الطاغوت .. ثم ينقسم قومه إلى أمتين متفاصلتين على أساس العقيدة. وتنبتّ وشيجة القومية ووشيجة القرابة العائلية لتقوم وشيجة العقيدة وحدها. وإذا «القوم» الواحد، أمتان متفاصلتان لا قربى بينهما ولا علاقة! .. وعندئذ يجيء الفتح .. ويفصل اللّه بين الأمة المهتدية والأمة الضالة، ويأخذ المكذبين المستكبرين، وينجي الطائعين المستسلمين .. وما جرت سنة اللّه قط بفتح ولا فصل قبل أن ينقسم القوم الواحد إلى أمتين على أساس العقيدة، وقبل أن يجهر أصحاب العقيدة بعبوديتهم للّه وحده. وقبل أن يثبتوا في وجه الطاغوت بإيمانهم. وقبل أن يعلنوا مفاصلتهم لقومهم .. وهذا ما يشهد به تاريخ دعوة اللّه على مدار التاريخ.

إن التركيز في كل رسالة كان على أمر واحد: هو تعبيد الناس كلهم لربهم وحده - رب العالمين - ذلك أن هذه العبودية للّه الواحد، ونزع السلطان كله من الطواغيت التي تدعيه، هو القاعدة التي لا يقوم شيء صالح بدونها في حياة البشر. ولم يذكر القرآن إلا قليلا من التفصيلات بعد هذه القاعدة الأساسية المشتركة في الرسالات جميعا. ذلك أن كل تفصيل - بعد قاعدة العقيدة - في الدين، إنما يرجع إلى هذه القاعدة ولا يخرج عنها. وأهمية هذه القاعدة في ميزان اللّه هي التي جعلت المنهج القرآني يبرزها هكذا، ويفردها بالذكر في استعراض موكب الإيمان بل في القرآن كله .. ولنذكر - كما قلنا في التعريف بسورة الأنعام (?) أن هذا كان هو موضوع القرآن المكي كله كما كان هو موضوع القرآن المدني كلما عرضت مناسبة لتشريع أو توجيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015