رفعهم إليه الإسلام، والذي هداهم اللّه إليه بهذا الدين، فيدركون عمق هذه الحقيقة وأصالتها في وجودهم كله بلا جدال

وهذه الحقيقة ما تزال قائمة بالقياس إلى المسلمين من كل أمة ومن كل جيل .. من هم بغير الإسلام؟

وما هم بغير هذه العقيدة؟ إنهم حين يهتدون إلى الإسلام، وحين يصبح المنهج الإسلامي حقيقة في حياتهم ينتقلون من طور وضيع صغير ضال مضطرب إلى طور آخر رفيع عظيم مهتد مستقيم. ولا يدركون هذه النقلة إلا حين يصبحون مسلمين حقا، أي حين يقيمون حياتهم كلها على النهج الإسلامي .. وإن البشرية كلها لتتيه في جاهلية عمياء ما لم تهتد إلى هذا النهج المهتدي .. لا يدرك هذه الحقيقة إلا من يعيش في الجاهلية البشرية التي تعج بها الأرض في كل مكان، ثم يحيا بعد ذلك بالتصور الإسلامي الرفيع للحياة، ويدرك حقيقة المنهج الإسلامي الشامخة على كل ما حولها من مقاذر ومستنقعات وأوحال! وحين يطل الإنسان من قمة التصور الإسلامي والمنهج الإسلامي، على البشرية كلها في جميع تصوراتها، وجميع مناهجها، وجميع نظمها - بما في ذلك تصورات أكبر فلاسفتها قديما وحديثا، ومذاهب أكبر مفكريها قديما وحديثا - حين يطل الإنسان من تلك القمة الشامخة يدركه العجب من انشغال هذه البشرية بما هي فيه من عبث، ومن عنت، ومن شقوة، ومن ضآلة، ومن اضطراب لا يصنعه بنفسه عاقل يدعي - فيما يدعي - أنه لم يعد في حاجة إلى إله! أو لم يعد على الأقل - كما يزعم - في حاجة لاتباع شريعة إله ومنهج إله! فهذا هو الذي يذكر اللّه به المسلمين، وهو يمتن عليهم بنعمته الكبرى: «وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ» ..

والحج هو مؤتمر المسلمين الجامع، الذي يتلاقون فيه مجردين من كل آصرة سوى آصرة الإسلام، متجردين من كل سمة إلا سمة الإسلام، عرايا من كل شيء إلا من ثوب غير مخيط يستر العورة، ولا يميز فردا عن فرد، ولا قبيلة عن قبيلة، ولا جنسا عن جنس .. إن عقدة الإسلام هي وحدها العقدة، ونسب الإسلام هو وحده النسب، وصبغة الإسلام هي وحدها الصبغة. وقد كانت قريش في الجاهلية تسمي نفسها «الحمس» جمع أحمس، ويتخذون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015