فهذا هو الاحتمال الوحيد في الحس الإسلامي .. وهو الاحتمال الحقيقي في الواقع .. فإن وجود مسلم إلى جوار مسلم مسألة كبيرة. كبيرة جدا. ونعمة عظيمة. عظيمة جدا. ومن العسير تصور أن يقدم مسلم على إزالة هذه النعمة عن نفسه والإقدام على هذه الكبيرة عن عمد وقصد .. إن هذا العنصر .. المسلم .. عنصر عزيز في هذه الأرض .. وأشد الناس شعورا بإعزاز هذا العنصر هو المسلم مثله .. فمن العسير أن يقدم على إعدامه بقتله .. وهذا أمر يعرفه أصحابه. يعرفونه في نفوسهم ومشاعرهم. وقد علمهم اللّه إياه بهذه العقيدة.

وبهذه الوشيجة. وبهذه القرابة التي تجمعهم في رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ثم ترتقي فتجمعهم في اللّه سبحانه الذي ألف بين قلوبهم. ذلك التأليف الرباني العجيب.

فأما إذا وقع القتل خطأ فهناك تلك الحالات الثلاث، التي يبين السياق أحكامها هنا:

الحالة الأولى: أن يقع القتل على مؤمن أهله مؤمنون في دار الإسلام. ويجب في هذه الحالة تحرير رقبة مؤمنة، ودية تسلم إلى أهله .. فأما تحرير الرقبة المؤمنة، فهو تعويض للمجتمع المسلم عن قتل نفس مؤمنة باستحياء نفس مؤمنة. وكذلك هو تحرير الرقاب في حس الإسلام. وأما الدية فتسكين لثائرة النفوس، وشراء لخواطر المفجوعين، وتعويض لهم عن بعض ما فقدوا من نفع المقتول .. ومع هذا يلوح الإسلام لأهل القتيل بالعفو - إذا اطمأنت نفوسهم إليه - لأنه أقرب إلى جو التعاطف والتسامح في المجتمع المسلم. «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ - إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا» ..

والحالة الثانية: أن يقع القتل على مؤمن وأهله محاربون للإسلام في دار الحرب .. وفي هذه الحالة يجب تحرير رقبة مؤمنة لتعويض النفس المؤمنة التي قتلت، وفقدها الإسلام. ولكن لا يجوز أداء دية لقومه المحاربين، يستعينون بها على قتال المسلمين! ولا مكان هنا لاسترضاء أهل القتيل وكسب مودتهم، فهم محاربون، وهم عدو للمسلمين.

والحالة الثالثة: أن يقع القتل على مؤمن قومه معاهدون - عهد هدنة أو عهد ذمة - ولم ينص على كون المقتول مؤمنا في هذه الحالة. مما جعل بعض المفسرين والفقهاء يرى النص على إطلاقه. ويرى الحكم بتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله - المعاهدين - ولو لم يكن مؤمنا. لأن عهدهم مع المؤمنين يجعل دماءهم مصونة كدماء المسلمين. ولكن الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015