وجاءه الرد من ربه الذي ابتلاه واصطفاه، يقرر القاعدة الكبرى التي أسلفنا .. إن الإمامة لمن يستحقونها بالعمل والشعور، وبالصلاح والإيمان، وليست وراثة أصلاب وأنساب. فالقربى ليست وشيجة لحم ودم، إنما هي وشيجة دين وعقيدة. ودعوى القرابة والدم والجنس والقوم إن هي إلا دعوى الجاهلية، التي تصطدم اصطداما أساسيا بالتصور الإيماني الصحيح: «قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» ..

والظلم أنواع وألوان: ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي .. والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة: إمامة الرسالة، وإمامة الخلافة، وإمامة الصلاة .. وكل معنى من معاني الإمامة والقيادة.

فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها. ومن ظلم - أيّ لون من الظلم - فقد جرد نفسه من حق الإمامة وأسقط حقه فيها بكل معنى من معانيها.

وهذا الذي قيل لإبراهيم - عليه السلام - وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض قاطع في تنحية اليهود عن القيادة والإمامة، بما ظلموا، وبما فسقوا، وبما عتوا عن أمر اللّه، وبما انحرفوا عن عقيدة جدهم إبراهيم ..

وهذا الذي قيل لإبراهيم - عليه السلام - وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض قاطع كذلك في تنحية من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم. بما ظلموا، وبما فسقوا وبما بعدوا عن طريق اللّه، وبما نبذوا من شريعته وراء ظهورهم .. ودعواهم الإسلام، وهم ينحون شريعة اللّه ومنهجه عن الحياة، دعوى كاذبة لا تقوم على أساس من عهد اللّه.

إن التصور الإسلامي يقطع الوشائج والصلات التي لا تقوم على أساس العقيدة والعمل. ولا يعترف بقربى ولا رحم إذا انبتّت وشيجة العقيدة والعمل ويسقط جميع الروابط والاعتبار ات ما لم تتصل بعروة العقيدة والعمل .. وهو يفصل بين جيل من الأمة الواحدة وجيل إذا خالف أحد الجيلين الآخر في عقيدته، بل يفصل بين الوالد والولد، والزوج والزوج إذا انقطع بينهما حبل العقيدة. فعرب الشرك شيء وعرب الإسلام شيء آخر. ولا صلة بينهما ولا قربى ولا وشيجة. والذين آمنوا من أهل الكتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015