52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(باب ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم)

ذكر المصنف هذا الباب فيما مر فى كثير من النسخ ثم أعاده هنا بزيادات أخر، أخرجته عن التكرار المحض على أن ذلك إن توجهه أيضا، بأن حكمة التكرار أن عيشه صلى الله عليه وسلم إى: معيشته فيها ما يناسب خلقه، لأن الاعتدال فى المأكول وتناوله فى أولى الأوقات به على ما ينبغى فى تناوله مع عدم الإكثار منه، ومع الصبر على فقده فى الزمن الطويل دليل، أى: دليل على اعتدال الطبائع الأربعة. واعتدالها موجب لاعتدال سائر الصفات الذاتية وهذا هو غاية حسن الشكل والخلق وما يناسب خلقه كما يأتى فلذا أكررها فى مبحثها ولما كان لها بالخلق بضم أوله أتم ارتباط ومناسبة ذكرها بعده وأطال فيها بما لم يطل به هناك، إذ الموجب للصبر على الفقر والجوع الشديد ومقاساة ما يتولد منه، إنما هو عظيم الخلق، ويصح أن يوجد التكرار أيضا بأنه مر أن العيش له ثلاث إطلاقات:

منها: الحياة، وهى المرادة، ثم من حيث بيان أنه مدة حياته كان قد يتناول منه مستمر الفقر. ومنها: الطعام الذى يعاش به، وهو المراد هنا. من حيث بيان أنه كان قد يتناول منه لذيذا أو خشنا، وقد يشبع، وقد لا يشبع، وقد لا يجد منه شيئا إلا أن يشد الحجر على بطنه، وقدمت ثم أواخر الكلام على حديث ذلك الباب نحو هذا الجمع فتأمل ذلك وأعرض عما سواه مما لا يجدى نفعا. واعلم أن تناول الطعام يحتاج لعلوم كثيرة، من حيث وصفه وزمنه وغيرهما، لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية، أو به قوام القلب والبدن، وبهما عمارة الدنيا والآخرة، لأن البدن بمفرده على طبع الحيوان فيستعان به على عمارة الدنيا، والقلب على طبع الملائكة فيستعان به على عمارة الآخرة باجتماعهما يصلحان لعمارة الدارين، ومن ثم قال الغزالى: لا طريق للبقاء إلا بالعلم والعمل، ولا يكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن، ولا تصفو سلامة البدن إلا بتناول مقدار الحاجة على تكرر الأوقات. ولهذا قال بعض السلف الصالحين: الأكل من الدين وعليه نبه بقوله تعالى: كُلُوا مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَاِعْمَلُوا صالِحاً (?). فمن أكل ليتقوى على الطاعة لا ينبغى أن يسترسل فيه استرسال البهائم فى المرعى، فإنما هى درجة (?) إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015