وأما الأخفش فكان يدفع المحال الكذب ويقول: المحال ما لا يصح له معنى ولا يجوز أن يقال فيه «صدق» و «كذب» فكيف يكون المحال كذبًا؟

والقول ما ذهب إليه سيبويه لأنه قد فرق بين المحال ومحال الكذب بما يستغنى به عن إعادته. فاعلم أن الصدق والكذب وإن كانا لا يوجدان إلا في الإخبار فليس كل خبر يمكن أن يقال فيه في الحال «صدق» أو «كذب» ألا ترى أن قائلاً لو قال: «سيخرج عبد الله غدًا»، «وسأركب غدًا إلى زيد» لم يمكن أن يقال له في الحال «كذبت» ولا «صدقت» لأنه يخبر بما سيفعله فلا يدري أيفعله فيصدق أم لا يفعله فيكذب لأن الوقت لم يأت بعد، فإذا حان الوقت وفعل ذلك قيل له «صدقت» وإن لم يفعل قيل له «كذبت»، فهو متعلق بالصدق والكذب فلا يوجد الصدق والكذب إلا في الإخبار فلذلك قالوا: الخبر ما جاز فيه صدق وكذب.

واختلف أهل العربية في معاني الكلام فقال الأخفش سعيد بن مسعدة ومن تابعه: معاني الكلام ستة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، ودعاء، وتمن، فالخبر ما جاز فيه أن تقول «صدق» أو «كذب» كقولك: قام زيد، ولم ينطلق محمد، وما أشبه ذلك.

والاستخبار كقولك: هل خرج عبد الله؟ وأين أخوك؟ ومتى يخرج زيد؟، وما أشبه ذلك. فهذا طلب ولا يجوز أن تقول فيه «صدق» و «كذب».

والأمر نحو قولك: اخرج يا زيد، انطلق يا عبد الله.

والنهي نحو قولك: لا تقم، ولا تركب.

والطلب يجمع الأمر والنهي لأنك إذا قلت: اضرب أو لا تضرب فأنت في الوجهين تطلب منه أن يفعل ما أمرت به أو نهيت عنه، والأمر والنهي ينقسم كل واحد منهما بلفظ واحد ثلاثة أقسام، هو أمر لمن دونك وطلب إلى من فوقك ألا ترى أنك إذا قلت لمن فوقك: أعطني أحسن غلي لم تقل أمرته، ولكن تقول: طلبت منه، ومسألة لله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015