وسكت عنه، وترك غيظه يتردّد فيه بالنار التي لا تمدّ بالحطب حتى يأكل بعضها بعضا، مما حاجته إلى التأوّل ظاهرة بيّنة.

فقد تبيّن بهذه الجملة وجه الفرق بين «التشبيه»، و «التمثيل». وفي تتبّع ما أجملت من أمرهما، وسلوك طريق التحقيق فيهما، ضرب من القول ينشط له من يأنس بالحقائق.

فصل

اعلم أن الذي أوجب أن يكون في التشبيه هذا الانقسام، أنّ الاشتراك في الصفة يقع مرّة في نفسها وحقيقة جنسها، ومرة في حكم لها ومقتضى. فالخدّ يشارك الورد في الحمرة نفسها وتجدها في الموضعين بحقيقتها واللفظ يشارك العسل في الحلاوة، لا من حيث جنسه، بل من جهة حكم وأمر يقتضيه، وهو ما يجده الذائق في نفسه من اللّذّة، والحالة التي تحصل في النفس إذا صادفت بحاسّة الذّوق ما يميل إليه الطبع ويقع منه بالموافقة، فلمّا كان كذلك، احتيج لا محالة إذا شبّه بالعسل في الحلاوة أن يبيّن أنّ هذا التشبيه ليس من جهة الحلاوة نفسها وجنسها، ولكن من مقتضى لها، وصفة تتجدّد في النفس بسببها، وأنّ القصد أن يخبر بأنّ السامع يجد عند وقوع هذا اللفظ في سمعه حالة في نفسه، شبيهة بالحالة التي يجدها الذائق للحلاوة من العسل، حتى لو تمثّلت الحالتان للعيون، لكانتا تريان على صورة واحدة، ولوجدتا من التناسب على حدّ الحمرة من الخدّ، والحمرة من الورد.

وليس هاهنا عبارة أخصّ بهذا البيان من «التأوّل»، لأن حقيقة قولنا: «تأوّلت الشيء»، أنك تطلّبت ما يؤول إليه من الحقيقة، أو الموضع الذي يؤول إليه من العقل، لأن «أوّلت وتأوّلت» فعّلت وتفعّلت من «آل الأمر إلى كذا يؤول»، إذا انتهى إليه، و «المآل»، المرجع وليس قول من جعل «أوّلت وتأوّلت» من «أوّل» بشيء، لأن ما فاؤه وعينه من وضع

واحد «ككوكب» و «ددن» لا يصرّف منه فعل، و «أوّل» «أفعل» بدلالة قولنا: «أوّل منه»، كقولنا: «أسبق منه وأقدم». فالواو الأولى فاء والثانية عين وليس هذا موضع الكلام في ذلك فيستقصى.

وأما الضرب الأول، فإذا كان المثبت من الشبه في الفرع من جنس المثبت في الأصل، كان أصلا بنفسه، وكان ظاهر أمره وباطنه واحدا، وكان حاصل جمعك بين الورد والخد، أنك وجدت في هذا وذاك حمرة، والجنس لا تتغير حقيقته بأن يوجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015