وذلك أن في هذا كله تأوّلا، وهو الذي أفضى بالاسم إلى ما ليس بأصل فيه «فالعين» لما كانت المقصودة في كون الرجل ربيئة، صارت كأنها الشخص كلّه، إذ كان ما عداها لا يغنى شيئا مع فقدها و «الغيث»، لمّا كان النبت يكون عنه، صار كأنه هو و «المطر» لما كان ينزل من السماء، عبروا عنه باسمها.

واعلم أن هذه الأسباب الكائنة بين المنقول والمنقول عنه، تختلف في القوة والضعف والظهور وخلافه. فهذه الأسماء التي ذكرتها، إذا نظرت إلى المعاني التي وصلت بين ما هي له، وبين ما ردّت إليه، وجدتها أقوى من نحو ما تراه في تسميتهم الشاة التي تذبح عن الصبيّ إذا حلقت عقيقته، عقيقة (?) وتجد حالها بعد أقوى من حال «العقيرة»، في وقوعها للصوت في قولهم: «رفع عقيرته»، وذلك أنّه شيء جرى اتفاقا، ولا معنى يصل بين الصّوت وبين الرجل المعقورة.

على أن القياس يقتضي أن لا يسمّى «مجازا»، ولكن يجرى مجرى الشيء يحكى بعد وقوعه، كالمثل إذا حكي فيه كلام صدر عن قائله من غير قصد إلى قياس وتشبيه، بل للإخبار عن أمر من قصده بالخطاب كقولهم: «الصّيف ضيّعت اللّبن»، ولهذا الموضع تحقيق لا يتمّ إلّا بأن يوضع له فصل مفرد.

والمقصود الآن غير ذلك، لأن قصدي في هذا الفصل أن أبيّن أن «المجاز» أعمّ من «الاستعارة»، وأن الصحيح من القضيّة في ذلك: أن كلّ استعارة مجاز، وليس كلّ مجاز استعارة. وذلك أنّا نرى كلام العارفين بهذا الشأن أعني علم الخطابة ونقد الشعر، والّذين وضعوا الكتب في أقسام البديع، يجري على أن «الاستعارة» نقل الاسم من أصله إلى غيره للتشبيه على حدّ المبالغة.

قال القاضي أبو الحسن في الحسن في أثناء فصل يذكرها فيه: «وملاك الاستعارة، تقريب الشّبه، ومناسبة المستعار للمستعار منه». وهكذا تراهم يعدّونها في أقسام البديع، حيث يذكر «التجنيس» و «التطبيق» و «الترشيح» و «ردّ العجز على الصدر» وغير ذلك، من غير أن يشترطوا شرطا، ويعقبوا ذكرها بتقييد فيقولوا: «ومن البديع الاستعارة التي من شأنها كذا». فلولا أنها عندهم لنقل الاسم بشرط التشبيه على المبالغة، وإمّا قطعا وإمّا قريبا من المقطوع عليه، لما استجازوا ذكرها. مطلقة غير مقيّدة.

يبيّن ذلك أنها إن كانت تساوق المجاز وتجري مجراه حتى تصلح لكل ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015