اسرار البلاغه (صفحة 334)

فإنه مما لا وجه لتسميته استعارةً، ألا تراهم قالوا: لئن لقيتُ فلاناً لَيلْقَيَنَّك منه الأسَدُ، فأتوا به معرفةً على حدِّه إذا قالوا: احذرِ الأسد، وقد جاء على هذه الطريقة ما لا يُتَصوَّر فيه التشبيه، فُظَنَّ أنّه استعارة، وهو قوله عز وجل: " لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ " " فصلت: 28 "، والمعنى - واللَّه أعلم - أنّ النَّار هي دار الخلد، وأنت تعلم أن لا معنى هاهنا لأن يقال إن النار شُبّهت بدارِ الخلد، إذ ليس المعنى على تشبيه النَّار بشيء يسمَّى دار الخلد، كما تقول في زيد إنه مثل الأسد، ثم تقول: هو الأسد، وإنما هو كقولك: النار منزلهم ومسكنهم، نعوذ باللَّه منها. وكذا قوله:

يَأبَى الظُلاَمَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزُّفَرُ

المعنى على أنه النَّوفل الزُّفَر، وليس الزفر باسمٍ لجنسٍ غير جنس الممدوح كالأسد، فيقالَ إنه شبّه الممدوح به، وإنما هو صفة كقولك هو الشجاع وهو السيّد وهو النهَّاض بأعباء السيادة، وكذلك قولُه:

يَا خَيْرَ مَن يَرْكَبُ المطيَّ وَلاَ ... يَشْرَبُ كأسَاً بكَفِّ مَن بَخِلا

لا يتصور فيه التشبيه، وإنما المعنى أنه ليس ببخيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015