وقوله: ((إن أبا سلمة كانَ ابن أخيها نسباً))، غلط ظاهر؛ لأن أبا سلمة هوَ ابن عبد الرحمان بن أبي بكر هوَ القاسم.

والظاهر: أن أبا سلمة كانَ إذ ذاك صغيراً دون البلوغ، والآخر كانَ أخاها من الرضاعة.

وقد اختلف العلماء: فيما يباح للمحرم أن ينظره من محارمه من النساء:

هل هوَ ما يظهر غالباً في البيوت، كالرأس واليدين والذراعيين والساقين والوجه والرقبة والشعر؟ أو ما ليس بعورة، وهو الوجه والكفان؟ أو الوجه فقط؟

أو لهُ النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة؟

وفي ذَلِكَ خلاف مشهور في مذهب الإمام أحمد وغيره.

وكذلك اختلفوا: في الصبي المميز، إذا كانَ ذا شهوة: هل هوَ من كالمحرم؟

أو كالأجنبي البالغ؟

وقد روى هذا الحديث ابن وهب، عن أسامة بن زيد، أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، قالَ: دخلت على عائشة، فقلت لها: كيف غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة؟ فقالت: أدخل معك يا ابن أخي رجلاً من بني أبي القعيس - من بني أخيها من الرضاعة -، فأخبر أبا سلمة بما تصنع، فأخذت إناء فأكفأته ثلاث مرات على يدها، قبل أن تدخل يدها فيهِ، فقالَ: صبت على يدها من الإناء يا أبا سلمة ثلاث مرات قبل أن تدخل يدها. فقالت: صدق، ثم مضمضت واستنثرت، فقالَ: هي تمضمض وتستنثر. فقالت: صدق، ثم غسلت وجهها ثلاث مرات، ثُمَّ حفنت على رأسها ثلاث حفنات، ثم قالت بيدها في الإناء جميعاً، ثم نضحت على كتفيها ومنكبيها،كل ذَلِكَ تقول إذا أخبر ابن أبي القعيس ما تصنع: صدق.

خرجه بقي بن مخلد وابن جرير الطبري.

وهذا سياق غريب جداً.

وأسامة بن زيد الليثي، ليس بالقوي.

وهذه الرواية تدل على أن ابن أخيها من الرضاعة اطلع على غسلها، وهذا يتوجه على قول من أباح للمحرم أن ينظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة، وهو قول ضعيف شاذ.

ورواية ((الصحيحين)) تخالف ذَلِكَ، وتدل على أن أبا سلمة وأخا عائشة كانا جميعاً من وراء حجاب.

وروى الإمام أحمد: ثنا إسماعيل - هوَ: ابن علية -: نا يونس، عن الحسن، قالَ: قالَ: رجل: قلت لعائشة: ما كانَ يقضي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسله من الجنابة؟ قالَ: فدعت بإناء؛ حزره صاعاً بصاعكم هذا.

وهذا الإسناد فيهِ انقطاع.

ثانيا: ما يخص قول القاضي عياض، و من وافقه.:

قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى -: ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذي المحرم النظر إليه من ذات المحرم, وكان أحدهما أخاها من الرضاعة كما ذكر, قيل: اسمه عبد الله بن يزيد , وكان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة, أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر. قال القاضي: ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى، إذ لو فعلت ذلك كله في ستر عنهما لكان عبثا ورجع الحال إلى وصفها له, وإنما فعلت الستر ليستتر أسافل البدن , وما لا يحل للمحرم نظره. والله أعلم.

أنا لا أوافق القاضي عياض على ما قال، لكن لماذا:

1 - ورد في الحديث وبشكل واضح:

(وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ)

فكيف يتجزأ الحجاب ويقصر ويطول، بقوله هو.؟

هذا تحكم بلا دليل قوي، وخصوصا أن المسألة حساسة، وهناك تحليل أدق إذا صح التعبير:

أ- كما هو معلوم أن أمهات المؤمنين كانت مقصودة من طالبات العلم أيضا، فلا يبعد أن تكون زوجاتهم معها حينها، وهذا ما دلت عليه الآثار.

ب- كانت أمهات المؤمنين يلبسن الدرع في بعض الأحيان، وهو ثوب واسع مخيوط الطرفين تخرج منه اليدان والرأس، وهو يشبه اللباس الذي يطلق عليه بعض أهل الخليج اليوم (الثوب). وهذا النوع من اللباس، يتيح لأم المؤمنين عائشة الاغتسال أمام طالبات العلم من دون أن تضطر لنزعه.

ثالثا: إذا سأل أحدهم وقال لماذا تغتسل لتعلمهم؟

1 - حتى تبلغ الأمانة بدقة.

2 - وضع البخاري هذا الحديث تحت باب: (الْغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ)، لماذا ياترى؟

لأن الغسل بهذه الكمية من الماء يشكك بأنها ممكنة البعض، كما يحصل اليوم، عندما نذكر لهم هذا الحديث يقولون هذا لا يمكن، فماذا تفعل أم المؤمنين لتثبت لهم أن هذا الأمر ممكن.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015