- يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ... . فَلَوْ كانَ اللَفْظُ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقالَ: إنَّ اللهَ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ بِهِ، وإنَّهُ مَعَهُ إذا ذَكَرَهُ. وهكَذا فِي كُلِّ حَدِيثٍ.

- فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ... .

- قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.

فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هذا مِنْ كَلامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!.

ت*- أنَّ الَّذِينَ قالُوا: إنَّ الحَدِيثَ القُدْسِيَّ مَعْناهُ مِنَ اللهِ ولَفْظُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَسْتَطِيعُوا التَّمْيِيزَ بِوُضُوحِ بَيْنَ الحَدِيثِ القُدْسِيِّ والحَدِيثِ النَّبَوِيِّ.

وأمَّا الَّذِينَ قالُوا: إنَّ لَفْظَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لَهُمْ – فِيما أعْلَمُ – دَلِيلٌ واحِدٌ عَلَى ذلِكَ

يَعْتَرِضُ بَعْضُهُم عَلَى هذا بِاعْتِراضاتٍ أهَمُّها:

1. لَمْ يَبْقَ إذَنْ فَرْقٌ بَيْنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ والحَدِيثِ القُدْسِيِّ؟

والجَوابُ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَهُما مِنْ حَيْثُ كَوْنُ مَصْدَرِ اللَفْظِ والمَعْنَى مِنَ اللهِ تَعالَى، ولكِنْ تُوجَدُ بَيْنَهُما عِدَّةُ فُرُوقٍ مِنْ جَوَانِبَ أُخْرَى أهَمُّها:

القُرْآنُ الكَرِيمُ مُعْجَزٌ بِِِلَفْظِهِ وأمَّا الحَديثُ القُدْسِيُّ غَيْرُ مُعْجَزٍ بِلَفْظِهِ

القُرْآنُ الكَرِيمُ مُتَعَبَّدٌ بِتِلاوَتِهِ وأمَّا الحَديثُ القُدْسِيُّ غَيْرُ مُتَعَبَّدٍ بِتِلاوَتِهِ

القُرْآنُ الكَرِيمُ مُتَوَاتَرٌ كُلُّهُ وأمَّا الحَديثُ القُدْسِيُّ غَيْرُ مُتَوَاتَرٍ كُلِّهِ

2. لَوْ كانَ الحَدِيثُ القُدْسِيُّ مِنْ كَلامِ اللهِ لَكانَ قُرْآناً, ولَكانَ مُعْجِزاً.

وهذا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإنَّ كَلامَ اللهِ لَيْسَ القُرْآنَ فَقَطْ، فالكُتُبُ السَّماوِيَّةُ السَّابِقَةُ قَبْلَ أنْ تُحَرَّفَ هِيَ مِنْ كَلامِ اللهِ، ولَيْسَتْ قُرْآناً، ولَيْسَتْ مُعْجِزَةً، فَكَذلِكَ الحَدِيثُ القُدْسِيُّ.

بَلْ إنَّ كَلامَ اللهِ تَعالَى لا يَعْلَمُ كَثْرَتَهُ إلاَّ اللهُ، قالَ تَعالَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

3. إنَّ مَعْنَى قالَ اللهُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ بِالمَعْنَى، فَإنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ يَقُولُ قالَ نُوحٌ مَثَلاً، ولَيْسَ المَقْصُودُ أنَّهُ قالَهُ بِاللَفْظِ بَلْ بِالمَعْنَى، فَكذلِكَ قالَ اللهُ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ.

والجَوَابُ عَنْ ذلِكَ أنَّنا عَلِمْنا أنَّ كَلامَ نُوحٍ بِالمَعْنَى لا بِاللَفْظِ بِقَرِينَتَيْنِ:

- أنَّ كَلامَهُ الوَارِدَ فِي القُرْآنِ بِاللُغَةِ العَرَبِيَّةِ، ونُوحٌ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ عَرَبِيَّةً.

- أنَّ كَلامَهُ جاءَ بِأُسْلُوبٍ مُعْجَزٍ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ كَلامُ نُوحٍ مُعْجَزاً.

فالأصْلُ فِي كَلِمَةِ " قالَ " فِي اللُغَةِ العَرَبِيَّةِ أنَّها بِاللَفْظِ، إلاَّ إذا جاءَتْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى القَوْلِ بِالمَعْنَى، ولا تُوجَدُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ عِبارَةَ " قالَ اللهُ " الوَارِدَةَ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ مِنَ الحَقِيقَةِ إلَى المَجازِ، أيْ مِنَ اللَفْظِ إلَى المَعْنَى.

من كتاب المنهاج الحديث في علوم الحديث د. شرف القضاة

ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[31 - 12 - 07, 11:53 م]ـ

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015