وقوَّاه الحافظ ابن حجر فقال: (وشبه ذلك قولهم في الراوي: صدوق فقط، وصدوق ضابط، فإن الأول قاصر عن درجة رجال الصحيح، والثاني منهم، فكما أن الجمع بينهما لا يضر ولا يشكل فكذلك الجمع بين الصحة والحسن) ().

n وأورد ابن الملقن على هذا القول ما لو كان السند في الدرجة العليا من الصحة حيث اتفق الناس على عدالة رواته.

ثم أجاب عما أورده بندرة ذلك. ()

n كما اعْتُرِض أيضاً على هذا التوجيه بأنه إذا ثبت صحة الحديث فذكر الحسن عند ذلك لغو لا فائدة منه. ()

وقد ذكر ابن سيد الناس قول الحافظ أبي عبد الله بن أبي بكر بن المَوَّاق وهو: (أن الترمذي لم يَخُصَّ الحسن بصفة تميزه عن الصحيح، فلا يكون صحيحاً إلا وهو غير شاذ، ولا يكون صحيحاً حتى يكون رواته غير متهمين، بل ثقات.

قال: فظهر من هذا أن الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص هذا القسم، بل قد يشركه فيها الصحيح، فكل صحيح عنده حسن، وليس كل حسن صحيحاً، ويشهد لهذا أنه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلا حسن صحيح.

واعترض عليه ابن سيد الناس بعد إيراده له فقال: (بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى نحوه من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح، فانتفى أن يكون كل صحيح حسناً، نعم قوله: وليس كل حسن صحيحاً، صحيح) ().

قال ابن حجر مقرراً ما ذكره ابن سيد الناس: (وهو تعقب وارد واضح على زاعم التدخل بين النوعين) ().

وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن الترمذي إنما يشترط مجيء الحسن من وجه آخر إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح، فإذا بلغها لم يشترط فيه ذلك، بدليل قوله في مواضع: هذا حديث حسن صحيح غريب، فلما ارتفع إلى درجة الصحة أثبت له الغرابة باعتبار فرديته. ()

قلت: وقد يمكن الإجابة بجواب آخر وهو أن اشتراط الإمام الترمذي في الحسن مجيئه من وجه آخر إنما هو فيما إذا وصفه بالحُسْن مفرداً، دون ما جمع فيه مع الوصف بالحُسْن الصحة أو الغرابة أو كليهما.

القول الرابع:

أن هذه مرتبة بين الحسن والصحيح، فوق الحسن ودون الصحيح.

قال الحافظ ابن كثير: (والذي يظهر لي أنه يُشَرِّب الحكم بالصحة على الحكم بالحُسْن ()، كما يُشَرِّب الحسن بالصحة، فعلى هذا يكون ما يقول فيه: حسن صحيح أعلى رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح، ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحُسْن). ()

وقال البلقيني: (وقيل: الجمع بين الحسن والصحة رتبة متوسطة بين الحسن المجرد والصحيح، فأعلاها ما تمحض فيه وصف الصحة، وأدناها ما تمحض فيه وصف الحسن، وأوسطها ما جمع بينهما)، ثم تعقبه قائلاً: (وفيه نظر). ()

n واعترض على هذا القول ابن رجب فقال: (وهذا بعيد جداً، فإن الترمذي يجمع بين الحسن والصحة في غالب الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها، والتي أسانيدها في أعلى درجات الصحة، كمالك عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن أبيه، ولا يكاد الترمذي يفرد الصحة إلا نادراً، وليس ما أفرد فيه الصحة بأقوى مما جمع فيه بين الصحة والحسن) ().

n وقال الحافظ العراقي معترضاً على ابن كثير: (وهذا الذي ظهر له تحكم لا دليل عليه، وهو بعيد من فهم معنى كلام الترمذي) ().

n كما تعقب ابنُ حجر الحافظَ ابن كثير فقال: (لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث، ولا قائل به، ثم إنه يلزم عليه أن لا يكون في كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر، لأنه قلَّ ما يعبر إلا بقوله: حسن صحيح) ().

القول الخامس:

أنه إنما صدق عليه الوصفان باعتبار اختلاف الأئمة في حال راويه، فقد يكون عند بعضهم في مرتبة الصحيح، وعند بعضهم دون ذلك، وعلى هذا يكون ما قيل فيه: حسن صحيح دون ما قيل فيه: صحيح، لأن الجزم أقوى من التردد، لأن حقه أن يقول: حسن أو صحيح.

وهذا التوجيه ذكره ابن سيد الناس افتراضاً، وعزاه ابن حجر لبعض المتأخرين. ()

n وأورد عليه ابن سيد الناس ما لا خلاف في تعديل راويه، كما أنه يَحْسُن في مثله أن يأتي بلفظ ((أو)) والتي هي لأحد الشيئين أو الأشياء فيقول: حسن أو صحيح. ()

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015