لا، لأنه لم يروهما بالإسناد. صحيح أنهما من كتب الحديث، لكنهما ليسا من المصادر الأصلية.

كلكم يعرف كتاب "تحفة الأشراف" للمزي _ رحمه الله _،هل هو من كتب الحديث؟ نعم.

هل هو من المصادر الأصلية؟ لا، لأنه لم يذكر إسناده هو، بل يذكر إسناد البخاري، أو إسناد مسلم وغيرهما _ رحمهما الله _.

إذاً عرفنا المصادر الأصلية التي أنا أريدها لتخريج حديثٍ ما.

ولهذا لو سألتكم عن باحثٍ يقول في بحثه، وعند تخريجه لحديث ما، قال: رواه النووي _ رحمه الله _ في رياض الصالحين، وصححه.

ما هي العبارة الصحيحة، وما هي العبارة الخاطئة؟

كلمة " صححه " صحيحة، أما عبارة " رواه النووي في رياض الصالحين "، فهي خاطئة، لأنك إذا قلت رواه، أي جعلته مصدراً أصلياً.

إذاً ماذا أقول؟

أقول ذكره النووي في رياض الصالحين، ولا أقول أخرجه أو رواه.

ولو قال باحث أخرجه المزي في " تحفة الأشراف "؟ فهذه عبارة خاطئة.

ولو قال نسبه المزي إلى البخاري في " تحفة الأشراف "، فهذه عبارة صحيحة.

إذاً فأنا أريد الآن أن أتعامل مع المصادر الأصلية، فلا بد أن نتعرف على المصادر الأصلية التي يحتفي بها أهل الحديث وطلبة الأسانيد.

مثلاً: لو دخلت إلى مكتبة ما، فوجدت كتابا للحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ عنوانه " بحث أحاديث شهر رجب "، ماذا يقع في بالي هل هو مصدر أصلي؟ لا، بل هو من كتب الحديث.

لكن لو دخلت المكتبة ووجدت كتابا " جزء الفاكهاني عن شيخه أبي مسرة "، فهل هذا مصدر أصلي؟ نعم لأنه يروي بإسناده هو،قد أكون لا أعرف من هو هذا الفاكهاني،وليس عندي أي معلومة عنه، لكن عرفت أنه محدّث يروي بالإسناد فأحتاج إليه، لأنه يمكن أن أجد فيه حديثاً أنا أبحث عنه.

إذاً وأنت تدخل المكتبة، لابد أن تفرّق بين ما تحتاج إليه فيما هو بالأسانيد، وما هو في الأقسام التي ستأتي بعد قليل.

فائدة: هناك مصدر يروي عن مصدر آخر فابن الجوزي مثلاً يروي بالإسناد إلى مصدر آخر وهو الترمذي مثلا، فيقول مثلاً: أنبأنا الكروخي قال أنبأنا الأزدي والغورجي قالا أنبأنا الجراحي قال أنبأنا المحبوبي قال أنبأنا الترمذي قال أنبأنا محمد بن إسماعيل قال أنبأنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه.

إذا دلني ابن الجوزي على مصدر أقل إسنادا منه وهو أن هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه

فإذا رأيت الحديث رواه ابن الجوزي، فلا تكن ضعيفاً فابحث عن مصدر أقل منه، إقرأ في إسناده فتراه يروي عن الترمذي أو الطبراني أو الأصفهاني أو البيهقي أناس أقرب من هذا الإسناد.

ثالثاً: مصطلح " كتب التخريج ":

هي الكتب التي تعتني بعزو الأحاديث إلى مصادرها الأصلية، مع الحكم عليها، أو نقل كلام أهل العلم عليها.

وهذه اللفظة داخلة من " كتب الحديث "، وليست من المصادر الأصلية.

فمثلاً: يأتي الحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ في كتابه " التلخيص الحبير "، ويكون الرافعي قد ذكر حديثاً في كتاب الوجيز للرافعي من كتب الشافعية، مثل حديث " لا سهو إلا في قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام "، فيذكره الحافظ ابن حجر، ثم يقول رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر، ثم يقول: وفيه أبوبكر العنسي، وهو ضعيف.

وقال البيهقي: مجهول.

ومقتضاه: أنه غير أبي بكر بن أبي مريم، والظاهر أنه هو، وهو ضعيف.

فهذا من كتب تخريج الحديث، والحكم عليه.

ما أهمية هذا الكتاب؟

أهميته معرفة المصادر الأصلية للحديث وكلام أهل العلم على الحديث، وللتأكد هل هناك طريق لم أقف عليه أم لا؟!

وهذا الكتاب وهو التلخيص صدر من شخص عالم، بحث في المصادر ثم نظر في الأسانيد وحصرها ثم حكم عليها.

فبدل أن تبدأ أنت من الصفر، هو بدأ من الصفر وانتهى، وأنت أقل منه علماً، فتستفيد منه.

إذاً " كتب التخريج "، لا يمكن أن تتخلى عنها، فهي مهمة جداً، فهي تختصر لي عزو المصادر، والطرق، وكلام أهل العلم على الحديث، لأنك قد لا تملك وقتا كافيا لتخريج الحديث لمدة يوم أو يومين، فترجع إلى كتب التخريج.

مثال لكتب التخريج: " التلخيص الحبير " لابن حجر، و"بلوغ المرام" له، " نصب الراية " للزيلعي، إرواء الغليل للألباني، " مجمع الزوائد " للهيثمي، و" المحرر" لابن عبدالهادي وغيرها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015