مراتب حديث عطاء بن السائب -- للشيخ عبدالله السعد

ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[09 - 12 - 08, 01:40 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

مراتب حديث عطاء بن السائب

عطاء بن السائب من الرواة المشهورين، خرّج له البخاري [1] والأربعة، وهو من صغار التابعين، وقد روى عن بعض الصحابة مِمّن تأخرت وفاتهم كأنس وعبد الله بن أبي أوفى وعمرو بن حريث المخزومي، وكان من أهل الصلاح والخير، حتى قال أحمد: «ثقة ثقة رجل صالح».

وقد حصل له تغير واختلاط، ولهذا يكاد يتفق الحفاظ على أن حديثه على قسمين: ما حدث به قديماً، وما حدثه أخيراً.

القديم الذي كان قبل الاختلاط، والأخير الذي كان بعد الاختلاط.

ولكن اختلف الحفاظ في ثلاث مسائل تتعلق بحديثه:

· المسألة الأولى: هل كان عطاء قبل الاختلاط ثقةً ضابطاً، أم في حفظه بعض الشيء.

· المسألة الثانية: الاختلاط الذي حصل له: هل كان شديداً أم دون ذلك وإنما هو مجرد تغير في الحفظ؟

· المسألة الثالثة: من هم الرواة الذين سمعوا منه قبل الاختلاط وبعده؟

وسيأتي أن هؤلاء الرواة على ثلاثة أقسام:

1. من سمع قبل الاختلاط.

2. من سمع قبل الاختلاط وبعده.

3. من سمع بعده.

المسألة الأولى

قال يحيى بن سعيد القطان: «ما سمعت أحداً من الناس يقول في حديثه القديم شيئاً».

وتقدم قول أحمد قريباً: «ثقة ثقة رجل صالح».

وقال الساجي: «صدوق ثقة، لم يتكلم الناس في حديثه القديم».

وقال يعقوب بن سفيان: «عطاء بن السائب ثقة، حديثه حجة، ما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة، وسماع هؤلاء قديم».

وقال البزار: «ولا نعلم أحداً ترك حديث عطاء بن السائب، لأن عطاء ثقة كوفي مشهور».

وخالفهم آخرون فقال شعبة-وهو ممن سمع منه قديماً-: «حدثنا عطاء بن السائب وكان نسياً»، وقال أبو قطن عن شعبة: «ثلاثة بالقلب منهم هاجس: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، ورجلٌ آخر».

قلت: شعبة لا يخفى أنه إمام من كبار الأئمة، وهو من تلاميذ عطاء المشهورين، وقد سمع منه قديماً، وجرحه هذا مفسّر، فيقدّم على من وثّقه، فيكون في حفظه بعض الشيء [2].

فعلى هذا أقول: إن عطاء لم يكن بالمتقن الحافظ، وإنما كان دون ذلك، فهو صدوق جيد الحديث، له بعض الأوهام؛ جمعاً بين أقوال من وثّقه ومن تكلم فيه، وهذا في حديثه القديم، ولذا استثنى الحفاظ من حديثه القديم أشياء لم يضبطها، كما سيأتي.

وأما حديثه الأخير فسوف يأتي -إن شاء الله- الكلام عليه.

قلت: ويستثنى من حديثه القديم ما إذا روى عنه أكثر من واحد:

قال ابن عليّة: قال لي شعبة: «ما حدّثك عطاء بن السائب عن رجاله زاذان وميسرة وأبي البختري: فلا تكتبه، وما حدّثك عن رجل بعينه فاكتبه».

وقال الحربي في العلل: بلغني أن شعبة قال: «إذا حدث عن رجل واحد فهو ثقة، وإذا جمع بين اثنين فاتّقه».

فعلى هذا إذا جمع بين أكثر من شيخ يكون في حديثه نظر؛ وذلك لعدم إتقانه لحديث كل شيخ ممن حدثه، فقد يكون بين رواية شيوخه اختلاف، فلعدم إتقانه يسوق هذه الروايات مساقاً واحداً، ويجعلها للجميع.

والراوي عندما يروي الحديث عن أكثر من شيخ، ليس كمن يروي الحديث عن شيخ واحد، فعندما يروي الحديث الواحد عن جمع، يحتاج إلى مزيد إتقان وحفظ، حتى يميز ما بين الروايات فيما إذا كانت متفقة أو مختلفة، ففي بعض الحالات يكون بين رواية الشيوخ اختلاف، إما في الإسناد أو المتن، فمن لم يكن متقناً، قد لا يضبط هذا الاختلاف.

وعطاء فيما يظهر من هذا الصنف، ففي عدة أحاديث يروي عن شيوخه زاذان و ... و ... ، ويسوقها مساقاً واحداً ولا يُبيّن، وهذا إذا كثُر يوجب الشك ممن هذه حاله كمثل عطاء، نعم في حديث أو حديثين أو ثلاثة قد يضبط، وأما إذا كثُر ممن هو ليس بمتقن فهذا يُتوقف فيه أو يرد، والله تعالى أعلم.

ولذا جُرِح جمعٌ من الرواة بهذا، مثل: ما تُكلّم على حمّاد بن سلمة فيما لو جمع أكثر من شيخ عند رواية الحديث، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر الواقدي.

وإنما يُقبل هذا ممن هو في مثل الزهري في إتقانه وحفظه، ولذا خرّج الشيخان من حديثه الطويل في الإفك، وقد ساقه عن جمع من شيوخه مساقاً واحداً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015