ـ[القرشي]ــــــــ[09 - 11 - 08, 07:58 م]ـ

صعوبته: أتت صعوبة علم العلل من عدم انضباطه تحت قاعدة مطّردة دائماً أبداً، فلم يتكلم فيه إلا ثُلَّة من فحول المحدّثين وذلك أنَّه ليس قواعد نظرية حسابية، بل هو جملة معطيات وملكة علمية متنوعة تكون لدى الناقد تمكنه من الحكم الدقيق، وقد أشار العلائي إلى هذا المعنى بقوله: ((ولا يقوم به إلا من منحه الله فهماً غايصاً، واطّلاعاً حاوياً، وإدراكاً لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم .. )) (1)، وابن رجب بقوله: ((فالجهابذة النقاد العارفون بعلل الحديث أفراد قليل من أهل الحديث جداً .. )) (2)، وكثيراً ما صرّحوا بأنَّ خفايا علمهم ودقائق فنهم لا تدركها كثير من الأفهام؛ لتفرّق أغلب الأحاديث المعلّة في بطون الكتب، زيادة على الصعوبات والمشاق التي يتحملها الناقد لمعرفة علة حديث واحد، ويفرح إذا ظفر بتلك العلة.

وليس كل حديث مُعلّ تظهر علته لمن أعلّه، فقد لا يقف عليها إلا بعد مدة، سواء أكانت طويلة أم قصيرة، مع إرجاع البصر فيها كرّاً، أشار إلى هذا الخطيب البغدادي بقوله: ((فمن الأحاديث ما تخفى علته فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد)) (3)، ونقل بسنده عن علي بن المديني قال: ((ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة)) (4)، ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه في حديث ذكره: ((ولم أزل أُفتّش عن هذا الحديث، وهَمَّني جداً حتى رأيته في موضع .. )) (5)، وقال أيضاً: ((قلت لأبي زرعة: أيهما عندك أشبه؟ قال: الله أعلم، ثم تفكّر ساعة فقال: حديث الدراوردي أشبه، وسألت أبي، فقال: حديث معاوية أشبه)) (6).

وقد لا تظهر العلة للإمام الناقد ويكشفها إمام آخر، قال ابن حجر: ((قد يخفى على الحافظ بعض العلل في الحديث، فيحكم عليه بالصحة بمقتضى ما ظهر له، ويطّلع عليها غيرهُ فيرد بها الخبر)) (7).

كما قد يعجز المعلل عن التعبير عما في نفسه من حجج، قال ابن حجر: ((وقد تقصر عبارة المعلل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، كما في نقد الصيرفي سواء)) (8)، وقال ابن خزيمة معلِّقاً على حديث صدقة الفطر: ((ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم؟)) (9)، وقال ابن أبي حاتم: ((سألت أبا زرعة عن حديث .. 0 فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، قلت: تعرف له علة؟ قال: لا)) (10).

إذن فهذا العلم ليس من العلوم السهلة، ولا يستطيعه كل أحد، وهو علم يحتاج إلى استفراغ العمر من أجل التمكن فيه، ويحتاج إلى ورع تام وصبر وتجلد في البحث والاستقراء والنظر والموازنة مع ضرورة وجود الدين المتين لدى الناقد حتى لا يخرج من السنة ما هو منها، ولا يدخل إليها ما ليس منها.

..........................

(1) " نكت ابن حجر " 2/ 777 و: 543 بتحقيقي.

(2) " جامع العلوم والحكم " 2/ 133 بتحقيقي، وطبعة ابن كثير: 579 بتحقيقي أيضاً.

(3) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1788).

(4) " الجامع لأخلاق الراوي " (1789).

(5) " علل الحديث " (2307).

(6) " علل الحديث " (2295).

(7) " نكت ابن حجر " 2/ 271 و:88 بتحقيقي

(8) " نكت ابن حجر " 2/ 711 و: 485 بتحقيقي.

(9) " مختصر المختصر " (2419) بتحقيقي.

(10) " علل الحديث " (1462).

المصدر: http://www.hadiith.net/montada/showthread.php?t=1160&page=12

ـ[القرشي]ــــــــ[09 - 11 - 08, 08:00 م]ـ

المصنفات في هذا الفن:

بزغ فجر التصنيف العلمي خلال القرن الثالث الهجري على يد علي بن المديني، على الرغم من قلّة البارعين الممارسين لهذا العلم، ونوّه ابن رجب بفائدة التصنيف في هذا العلم بقوله: ((فلولا التصانيف المتقدمة فيه، لما عُرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي التصنيف فيه ونقل كلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جداً، وقد كان السلف الصالح مع سعة حفظهم، وكثرة الحفظ في زمانهم، يأمرون بالكتابة للحفظ، فكيف بزماننا هذا! ... )) (1).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015