مالك عن عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق يقول ((إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) لم يختلف في إسناد هذا الحديث والحمد لله ولا في لفظه.

ثمّ قال بعد ذلك رحمه الله تعالى: (في هذا الحديث علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن لأن الواحدة ههنا تقوم مقام الجميع في الذكر لأن الألف واللام في الفتنة ليسا إشارة إلى معهود وإنما هما إشارة إلى الجنس مثل قوله ((الزانية والزاني)) و ((السارق والسارقة)).

فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت وبها كانت نحو الجمل وصفين وقتل الحسين وغير ذلك مما المطلوب ذكره مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم وقد كانت الفتن في كل ناحية من نواحي الإسلام ولكنها بالمشرق أكثر أبدا ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ((إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر)) وقد يحتمل أن تكون الفتنة في هذا الحديث معناها الكفر وكانت المشرق يومئذ دار كفر فأشار إليها.

والفتنة لها وجوه في اللغة منها العذاب ومنها الإحراق ومنها الحروب التي تقع بين الناس ومنها الابتلاء والامتحان وغير ذلك على حسبما قد ذكره أهل اللغة.

وأما قوله ((من حيث يطلع قرن الشيطان)) فقد مضى القول فيه في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا. اهـ

فقد أوضح الإمام ابن عبد البرّ عليه رحمة الله المتوفى قبل ولادة شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله بمئات السنين أنّ المقصود بمواضع الفتن والزلازل ومطلع قرني الشيطان في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم المتقدّم هو العراق وخراسان وما جاورهما من ناحية المشرق أي مشرق المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، وها هو إمام من أئمّة المسلمين وحافظ من حفاظ المغرب رحمه الله تعالى وهو حجّة عند أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب قبل أتباعه يفهم من قوله عليه السلام ((الفتنة من ها هنا)) خلاف ما فهمه من أعمى الله بصيرتهم وطغى الهوى على قلوبهم فأصبحوا لا يميّزون بين حقّ وباطل من أنصار عبادة الأوثان ومخاطة الولدان والمردان!

فهل سيُصنّف الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى بأنّه وهابي هو الآخر؟!

وجاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى (13/ 46 - 47) دار المعرفة بيروت، سنة 1379 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب رحمهما الله تعالى:

قوله (أي البخاري) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الفتنة من قبل المشرق)) أي من جهته ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

الأول: ذكره من وجهين:

وقد ذكرت في شرح حديث أسامة في أوائل كتاب الفتن وجه الجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم اني لأرى الفتن خلال بيوتكم وكان خطابه ذلك لأهل المدينة

6679 قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم ((انه قام الى جنب المنبر)) في رواية عبد الرزاق عن معمر ثم الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قام على المنبر في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في مناقب قريش بسنده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري عند مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق قوله ((الفتنة ههنا الفتنة ههنا)) كذا فيه مرتين وفي رواية يونس ((ان الفتنة ههنا)) أعادها ثلاث مرات قوله ((من حيث يطلع قرن الشيطان)) أو قال ((قرن الشمس)) كذا هنا بالشك وفي رواية عبد الرزاق ((ههنا أرض الفتن)) وأشار الى المشرق يعني حيث يطلع قرن الشيطان.

وفي رواية شعيب ((الا ان الفتنة ههنا يشير الى المشرق حيث يطلع قرن الشيطان)) وفي رواية يونس مثل معمر لكن لم يقل أو قال قرن الشمس بل قال يعني المشرق.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015