وكذلك حار الذهبي -رحمه الله- في فهم بعض اصطلاحات أئمة الجرح والتعديل في بعض الرواة، فقد نقل الذهبي -رحمه الله- عن أبي خيثمة أنه قال في أبي مصعب أحمد بن أبي بكر القاسم الزهري: «لا تكتب عن أبي مصعب، واكتب عمن شئت»، وعلق الذهبي بقوله: «ما أدري ما معنى قول أبي خيثمة» [ميزان الاعتدال (1/ 84)، لكنه علّل ذلك في سير أعلام النبلاء (11/ 437) بقوله: «أظنه نهاه عنه لدخوله في القضاء والمظالم»].

ووقع بسبب التباين في تعيين المراد بكلام المتقدم اختلاف كبير في الحكم على الرواة والأسانيد والأحاديث.

فالبخاري في ترجمة أوس بن عبدالله الربعي أبي الجوزاء البصري قال: قال لنا مسدد عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة، ليس من القرآن آية إلا سألتهم عنها.

قال البخاري: «في إسناده نظر» [التاريخ الكبير (2/ 16، 17 - رقم 1540)].

فقد تباين العلماء في مراد البخاري بقوله: «في إسناده نظر»، فقد قال ابن عدي: «ويقول البخاري في إسناده نظر، أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا لأنه ضعيف عنده» [الكامل في الضعفاء (1/ 402)]، ولأجل هذا ذهب البعض إلى تضعيف رواية أبي الجوزاء عن عائشة بالانقطاع.

بينما الحافظ ابن حجر -رحمه الله- (ت: 852هـ) قال: «وقول البخاري (في إسناده نظر، ويختلفون فيه) إنما قاله عقب حديث رواه له في التاريخ من رواية عمرو بن مالك النكري، والنكري ضعيف عنده»، ومن أجل هذا صحح بعض أهل العلم رواية أبي الجوزاء عن عائشة -رضي الله عنها-[انظر غرر الفوائد المجموعة لرشيد الدين العطار ص338].

وكذلك الحال بالنسبة إلى حكيم بن معاوية النميري، فقد اختلف المتأخرون في صحبته، وسبب اختلافهم يدور على تفسير مراد البخاري «فيه نظر»، هل ترجع إلى الإسناد أو إلى صحبته.

قال سبط ابن العجمي -رحمه الله- (ت: 841هـ): «اعترض مغلطاي على المزي في قوله: مختلف في صحبته، وقال: وسبقه في ذلك صاحب الكمال، وفيه نظر: لأن البخاري صرح بسماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-»، ثم ذكر عدة من ذكره في الصحابة، وقال: « ... وأبو نعيم، وابن عبدالبر، وقال: من جمع في الصحابة ذكره فيهم، وذكر هو وأبو منصور البارودي أن البخاري قال: في صحبته نظر، وكأن هذا هو المُوْقع لعبد الغني الذي تبعه المزي، ثم إن قول ابن عبدالبر والبارودي: إن البخاري قال: في صحبته نظر، فيه نظر، لأن الذي قاله البخاري من خط ابن الأبار وأبي ذر: حكيم بن معاوية النميري، سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، في إسنادهما نظر. وأما النسخة التي بخط ابن الباذش، فليس هذا فيها، إنما ذكر السماع من غير تعرض لشيء آخر، فحاصله: أن البخاري لم ينص على أن في صحبته نظر، إنما حكم على الإسناد بالنظر، وصدق، لأنه يدور على إسماعيل بن عياش، وهو عنده ضعيف، لا أنه حكم على الصحبة، لاحتمال ثبوتها عنده بالاستفاضة» [نهاية السول في رواة الستة الأصول (3/ 484)].

ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[27 - 10 - 08, 10:06 م]ـ

رابعًا: الاطلاع على أصول الرواة:

أصول الراوي من أعظم الكواشف عن درجة ضبط الراوي فيما يُحدِّث من حفظه، وهي المرجع في التحقق من خطأ الراوي أو صدقه.

فإذا شك محدث في خطأ الراوي نظر في أصول مروياته، قال سليمان بن حرب: «كان يحيى بن معين يقول: في الحديث هذا خطأ، فأقول: (كيف صوابه؟) فلا يدري، فأنظر في الأصل فأجده كما قال!» [شرح علل الترمذي (1/ 219)].

وسأل البرذعي أبا زرعة الرازي عن سويد بن سعيد وقال في سؤاله: ايش حاله؟ قال: «أما كتبه فصحاح، وكنت أتتبع أصوله، وأكتب منها، فأما إذا حدث من حفظه فلا» [أجوبة أبي زرعة الرازي على أسئلة البرذعي (2/ 409)].

وكان الراوي يأتي إلى الواحد من أئمة الجرح والتعديل، ويُطلعه على أصوله لينتقي ما صح من مروياته، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل -يعني ابن أبي أويس- أخرج له -يعني البخاري- أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يُعلِّم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه» [هدي الساري ص391].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015