أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ، فقال: كان يضع للروافض، كذا قال السليماني، وهذا رجم بالظن الكاذب، بل إبن جرير من كبار ائمة الإسلام المعتمدين، وما ندعي عصمته، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يُتأنى فيه، ولاسيما في مثل إمام كبير.

وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره، وهو مشهور عنه، قاله إنكارًا منه لقول مالك في حديث: «البيعان بالخيار»، وكان إبراهيم بن سعد يتكلم وكان إبراهيم بن أبي يحيى يدعو عليه.

وتكلم في مالك -أيضًا- فيما ذكره الساجي في «كتاب العلل» عبدالعزيز بن أبي سلمة، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وابن إسحاق، وابن أبي يحيى، وابن أبي الزناد، وعابوا عليه أشياء في مذهبه، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته عن داود بن الحصين، وثور بن زيد، وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسدًا لموضع إمامته، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفي فتياه إتيان النساء في الأعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم، ونسبوه بذلك إلى ما لا يحسن ذكره، وقد برأ اللَّه -عز وجل- مالكًا عما قالوا، وكان -إن شاء اللَّه- عند اللَّه وجيهًا، وما مثل من تكلم في مالك والشافعي ونظائرهما من الأئمة إلا كما قال الشاعر الأعشى:

كناطح صخرة يومًا ليوهنها******فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

أو كما قال الحسين بن حميد:

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه******أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

وكلام أبي الزناد في ربيعة هو من هذا الباب -أيضًا-.

ولقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول:

ومن ذا الذي ينجو من الناس سالمًا******وللناس قال بالظنون وقيل

وهذا خير من قول القائل:

....................... وما اعتذارك في شيء إذا قيل

وانظر إلى قول الكوفي في سعد بن أبي وقاص أنه لا يعدل في الرعية ولا يغزو في السرية، ولا يقسم بالسوية، وسعد بدري وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الشورى فيهم، وقال: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم وهو عنهم راض.

وعن الأعمش قال: ذكر ابراهيم النخعي عند الشعبي فقال: ذاك الأعور الذي يستفتيني بالليل ويجلس يفتي الناس بالنهار، قال: فذكرت ذلك لابراهيم فقال: ذاك الكذاب لم يسمع من مسروق شيئا. وذكر ابن أبي خيثمة هذا الخبر عن أبيه قال: كان هذا الحديث في كتاب أبي معاوية فسألناه عنه فأبى أن يحدثنا به، قال ابن عبد البر: معاذ الله أن يكون الشعبي كذابا بل هو إمام جليل والنخعي مثله جلالة وعلما ودينا.

وقال الذهبي في ترجمة الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطين: حط عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وحط هو على ابن أبي شيبة، وآل أمرهما إلى القطيعة، ولا يُعتد بحمد الله بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض.

وقال أيضا في مقام الذب عن الحافظ أبي الوليد هشام بن عمار السلمي: ومازال العلماء الأقران يتكلم بعضهم في بعض بحسب اجتهادهم وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال أيضا في ترجمة أبي إسحاق السبيعي: وقال جرير، عن مغيرة: ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش.

قال بعد ذلك -أي الذهبي-: قلت: لا يسمع قول الأقران بعضهم في بعض، وحديث أبي إسحاق محتج به في دواوين الإسلام، ويقع لنا من عواليه.

وقال أيضا في مقام رد كلام الإمام مالك في محمد بن إسحاق الحافظ صاحب السيرة: وقد علم أنّ كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر ولا عبرة به، ولاسيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف، وهذان الرجلان كل منهما قد نال صاحبه، لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك وصار كالنجم والآخر فله ارتفاع بحسبه، ولاسيما في السير.

وأخرج حافظ المغرب بسنده عن أحمد بن صالح قال: سألت عبد الله بن وهب عن عبد الله بن يزيد بن سمعان؟ فقال: ثقة، فقلت: إنّ مالكاً يقول فيه: كذّاب؟ فقال: لا يقبل بعضهم في بعض.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015