صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، المستدرك للحاكم، ترجيحاً منهم لكل كتاب منها على ما بعده في التزام الصحيح المجرد، وإن وافق هذا مصادفة ترتيبهم الزمني من غير قصد إليه)).

وقد خالف الشيخ شعيب ما اتفق عليه العلماء، إذ ذهب إلى تقديم صحيح ابن حبان على صحيح ابن خزيمة، فقال: ((إن صحيح ابن حبان أعلى مرتبة من صحيح شيخه ابن خزيمة، بل إنه ليزاحم بعض الكُتُب الستة، وينافس بعضها في درجته …)) (الإحسان 1/ 43).

وهذا غير صحيح، وهو فيه مخالف لقول أهل العلم الذين أطبقوا على تقديم كتاب ابن خزيمة على كتاب ابن حبان، ولعل أقدم من تكلم في هذا هو ابن عدي فقد قال: ((وصحيح ابن خزيمة الذي قرظه العلماء بقولهم: صحيح ابن خزيمة يكتب بماء الذهب فإنه أصح ما صنف في الصحيح المجرد بعد الشيخين البخاري ومسلم)) (الكامل 1/ 33).

ولعل الذي دفع الشيخ شعيب على ذلك هو ما يراه من بعض الأحاديث المنتقدة من مختصر المختصر مع غياب المنهج الذي رسمه ابن خزيمة كما في الأحاديث التي عللها، أو التي توقف فيها أو التي صدر المتن على السند، ولو قرأ الكتاب قراءة دارس لما قال مقالته هذه مع سقم الطبعة القديمة التي حوت ما يزيد على (1761) خطأ.

وبودي في هذا المقام أن أنقل كلام الشيخ العلامة سليمان العلوان في الكلام عن كتاب ابن حبان قال – رعاه الله – ((/ كتابه الصحيح:

أما الصحيح فقد حصل لنا استقراء وقراءة لكتابه وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1ـ الصحيح الذي يوافقه عليه جمهور أهل العلم، وهذا ولله الحمد هو الغالب على كتابه، يعرف ذلك من قرأه وأمعن النظر فيه.

2ـ مما تنازع العلماء فيه وأورده ـ رحمه الله ـ في صحيحه، فهذا لا عتب عليه فيه، لأنه إمام له مكانته العلمية يعدل ويجرح وينتقد كغيره من العلماء. ومن هؤلاء ممن خرج لهم في صحيحه ممن تنازع العلماء فيهم: محمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، والعلا بن عبد الرحمن، والمطلب بن حنطب وغيرهم. وهؤلاء فيهم أن أحاديثهم لا تنزل عن مرتبة الحسن، مع العلم أن مسلماً قد أخرج في صحيحه لمحمد بن عجلان وابن إسحاق

3ـ أن يكون ـ رحمه الله ـ قد وهم فيه كتخرجه لسعيد بن سماك بن حرب، فإنه قد روى عن أبيه عن جابر بن سمرة: (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقرأ ليلة الجمعة في صلاة المغرب، بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) وهذا حديث متروك، سعيد بن سماك قال عنه أبو حاتم: متروك الحديث. ولكن هذا لا يدل على أن ابن حبان متساهل لأنه بشر يخطئ ويصيب والعبرة بكثرة الصواب وهو كثير كما قدمنا قال الشاعر:

…………………… كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه

وقد انتقد شئ كثير على البخاري ومسلم في توثيقهم لبعض الضعفاء ومن ذلك:

(إسماعيل بن أبي أويس) أخرج له البخاري في الأصول، وهو ضعيف الحديث على القول الصحيح، ومع ذلك من أمعن في كتب الرجال كتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب والجرح والتعديل لابن أبي حاتم وغيرها ولم يعتمد على المختصرات والله الهادي إلى سواء السبيل.)).

ـ[ماهر]ــــــــ[19 - 10 - 08, 05:35 ص]ـ

قال البقاعي في النكت الوفية: ((قالَ شيخُنا: ((ويمكنُ أن يوجهَ ذلكَ بأنَّ بعضَ أئمةِ الحديث وهو ابنُ خزيمةَ اصطلحَ على أن تقديمَ المتنِ - معَ بعضِ السندِ - على بعضِ السندِ الآخرِ دليلُ عُوارٍ في ذلكَ السّندِ بخلافِ تقديمِ جميعِ المتنِ على جميعِ السّندِ، فإنّهُ ليسَ لأحدٍ فيهِ اصطلاحٌ.

وينبغي أن يستثنى اصطلاحُ ابن خزيمةَ من إطلاقِ تجويزِ تقديم السّندِ على متنٍ سمعهُ مقدَّماً على بعضِ سندهِ فإنّهُ قالَ: ((لا أحلُّ لأحدٍ أن يرويَ حديثاً منها على غيرِ سِياقي)) أو نحوَ ذلكَ.

فإنّه لا يعدلُ عن سياقِ أحاديثِ كتابهِ إلا لشكٍ عندهُ في لحاقِ ذلكَ الحديثِ بشرطهِ، كأنْ يكونَ رجالُ الإسنادِ كلهم على شرطهِ إلا واحداً فلا يعلمُ فيه جَرحَاً ولا تَعديلاً.

وكذا إذا عَلِمَ فيه جَرحاً فإنّهُ قد يخرجهُ لبيانِ شيء فيهِ، كأنْ يكونَ الحديثُ فيهِ حكمٌ مطلقٌ، وفي تلكَ الروايةِ قيدٌ زائدٌ فيخرجهُ على هذا السياقِ ليبينَ أنَّ الحديثَ على إطلاقهِ، ولا التفاتَ إلى هذا القيدِ؛ لأنَّ سندَهُ ضعيفٌ.

وفي بعضِ الأحيانِ يقولُ: بيانُ كذا وكذا إنْ صَحَّ الحديثُ كما فعلَ

في صَلاةِ التَّسبيحِ.

وهوَ في ذلك كلِّه يبتدئُ من السندِ بالرجلِ الذي يتوقفُ فيهِ، ويسوقُ الحديثَ.

ثمَّ بعدَ الفراغِ منهُ، يذكرُ بقيةَ السندِ من أوَّلهِ إلى ذلكَ الرجلِ، ثمّ يبينُ ما عندَهُ في ذلكَ الرجلِ.

فليتنبه لهذا، فإنّ بعضَ الفقهاءِ عزا بعض هذهِ الأحاديثِ إلى " صحيحِ ابنِ خزيمةَ " غير مُبيِّنٍ لهذهِ العلةِ)) انتهى كلامُ شيخِنا.

وقد أفهمَ آخرُ كلامهِ: أنّه لو بينَ الحالَ لم يكنْ مُسيئاً في عزوهِ إلى

ابنِ خزيمةَ وذلكَ بأنْ يقولَ مثلاً: رواهُ ابن خزيمةَ مقدِّماً من السندِ من فُلانٍ

إلى منتهاهُ ومؤخِّراً الباقي، ومن عادتهِ أنّهُ لا يفعلُ ذلكَ إلاّ لخللٍ في الحديثِ

فلا يكونُ على شرطهِ في الصِّحةِ، وينتظم من هذا العزوِ فيقال: حديثٌ

متصلُ السندِ، وليسَ موضوعاً لا تجوزُ روايتهُ معزواً إلى مخرجهِ إلا مقروناً ببيانِ

حالهِ)).

النكت الوفية 2/ 257 - 258.

وقول الحافظ ابن حجر أشار إلى بعضه السخاوي في فتح المغيث 2/ 257. وانظر: تدريب الراوي 2/ 119.

وما نقله ابن حجر عن ابن خزيمة هو في مختصر المختصر عقب (445)، وعبارته: ((ولا أحلّ لأحد أن يروي عني هذا الخبر إلاّ على هذه الصفة؛ فإن هذا إسناد مقلوب)).

وفيما يتعلق بقول ابن خزيمة: ((إن صح الخبر)) قال ابن خزيمة في " مختصر المختصر " قبيل (1216): ((باب صلاة التسبيح إن صحّ الخبر؛ فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً)).

ووقع مثل هذا كثير في " مختصر المختصر "، وانظر على سبيل المثال قبيل حديث (1402)، وقبيل حديث (1431)، وقبيل حديث (1464).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015