وسلم وصفته وموضعه من يده"، وروى الأحاديث المتقدمة وسكت عنها ولم يُعلَّ شيئاً منها، وحمل كثيرٌ من أهل العلم هذا الاختلاف في الروايات على التعدد وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له غير ما خاتم ولم يكن يجمع بينها في اللبس، وخُتم على كل واحد منها: (محمد رسول الله)، قال البيهقي في شعب الإيمان: ((وفي هذا الحديث دلالة على أنه كان خاتمان أحدهما فصه حبشيا، والآخر فصه منه، وفي حديث معيقيب أنه كان له خاتم من حديد ملوي عليه فضة، فربما كان في يده، وليس في شيء من الأحاديث أنه ظاهر بينهما، وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يكره لبس الخواتيم في اليدين ولبس خاتمين في يد واحدة، وزعم أنَّه مستهجنٌ في حميد العادات ورضي الشمائل، وليس من لباس العِلِّيَة من الناس، ولم يستحسن أن يتختم الرجل إلا بخاتم واحد منقوش، فليس للحاجة إلى نفسه لا لحسنه وبهجة لونه))، وقال الحافظ ابن حجر: " إما أنْ يُحْمَلَ على التعدد، وحينئذٍ فمعنى قوله: (حبشي) أي كان حجرا من بلاد الحبشة، أو على لون الحبشة، أو كان جَزَعَاً أو عقيقاً لأنَّ ذلك قد يُؤتى به من بلاد الحبشة، ويُحْتَمَلُ أن يكون هو الذي فَصُّهُ منه ونُسِبَ إلى الحبشة لصفةٍ فيه، إما الصياغة وإما النقش " ا. هـ.

قلت: الاحتمال الأول هو الظاهر المتبادر من ذكر فص الحبشة، وهو ما جزم به البيهقي وابن الأثير في غريب الحديث – في مادة (حبش) – بل جزم بعضهم – كما حكاه عنهم السيوطي - بأنه (الزبرجد)، وعلى كلٍ فهذه النقول كلها تؤكد أنه ليس من المستبعد أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم خواتيم متعددة، منها الفضي الذي فصُّهُ منه، ومنها الفضي الذي فصُّه حبشي، ومنها الفضي الذي فيه شيءٌ من الحديد، كلها استعملها النبي صلى الله عليه وسلم ولبسها، ولا حاجة لنا حينئذٍ لتضعيف شيءٍ من الروايات، ولذا جزم ابن حجر رحمه الله عندما ذكر حديث المعيقيب بالتعدد، وهو ما جزم به السيوطي في رسالته: (الجواب الحاتم عن سؤال الخاتم)، ومضى جمعٌ من شراح السنن على هذا من غير اختلاف بينهم.

الوجه الثاني: أن الجمع بين الأحاديث ممكن يسير حتى لو لم يُقل بالتعدد، فوَصْفُ ابن عمر وأنس رضي الله عنهما لخاتم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من فضة هذا ما ظهر لهما لأن الفضة التوت على الحديد فأخفت عامَّته، أو هذا ما كان الغالب على الخاتم، وأما المعيقيب فكان يباشر خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ويحفظه وربما لبسه فهو أعلم بتفصيل خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من غيره فكان يعلم بوجود شيءٍ من الحديد في خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وأما لفظ حديث أبي خيثمة زهير بن معاوية عن حميد عن أنس رضي الله عنه عند أبي داوود: " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كلُّه فصُّه منه "، فهذا كما تقدم بناءً على ما ظهر لأنسٍ رضي الله عنه، على أن لفظة: (كله) فيها نظر بالغ، فكبار الثقات من أصحاب أنس يروونه عنه ولم يذكروا هذه اللفظة كما في الصحيحين كقتادة والزهري وعبد العزيز بن صهيب وثابت البناني، وكذا يرويه الرواة عن حميد من غير هذه الزيادة، فهي زيادة من أبي خيثمة زهير بن معاوية أو من بعض تلاميذه وإنما رويت على المعنى.

فالخلاصة مما تقدَّم: أن حديث المعيقيب رضي الله عنه حديث حسن مقبول عند أهل العلم ما رأيت أحداً أنكر منه شيئاً قبل الحافظ ابن كثير رحمه الله - والله أعلم -.

3.قال ابن سعد في طبقاته: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسحاق عن سعيد أن خالد بن سعيد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده خاتم له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخاتم؟ فقال: خاتم اتخذته، فقال: اطرحه إليَّ، فطرحه، فإذا خاتم من حديد ملويٌّ عليه فضة، فقال: ما نقشه؟ فقال: محمد رسول الله، قال: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلبسه فهو الذي كان في يده.

- الفضل بن دُكين: هو الإمام المعروف أبو نعيم، شيخ البخاري وأبي محمد الدارمي وابن أبي شيبة والرازيين.

- إسحاق: هو إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي القرشي، وبيَّن ذلك بوضوح رواية الطبراني والحاكم، وهو من شيوخ الفضل بن دُكين كما ذكره أبو الحجاج المزي.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015