- ففي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج قال: (قلت: الخاتم من ذهب أو حديد يُكره؟ قال: إي والله يُكره، والحديد يُكره، قال إسحاق: كلاهما كما قال)، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية ونحوه في الفروع: (ويُكره للرجل والمرأة خاتمُ حديد وصفر ونحاس ورصاص؛ نص عليه في رواية إسحاق وجماعة) ا. هـ.

- وفي الفروع: (وسأله الأثرم عن خاتم الحديد، فذكر خبر عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " هذه حلية أهل النار "، وابنُ مسعود قال: " لُبْسَةُ أهل النار "، وابن عمر قال: " ما طَهُرَت كفٌّ فيها خاتم حديد "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه لرجلٍ لبسَ خاتماً من صُفْر: " ما لي أجدُ منكَ ريح الأصنام "، فقد احتج بخبر بريدة) ا. هـ كلام ابن مفلح.

هذا ما نقله ابن مفلح من جواب الإمام أحمد للأثرم في خاتم الحديد، وقد سار الحنابلة بعد ابن مفلح على ذكر هذا النقل عن الأثرم، ويغلب عندي أنهم أخذوه من كلام ابن مفلح ونقله، بينما نجد أن ابن عبد البر في التمهيد يذكر جواب الإمام أحمد للأثرم بلفظ مختلفٍ تماماً، فقال ابن عبد البر في التمهيد: (وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الحميد بن أحمد حدثنا الخضر بن داود حدثنا أبو بكر الأثرم قال: قلت لأبي عبدالله يعني أحمد بن حنبل: ما ترى في خاتم الحديد؟ فقال: اختلفوا فيه؛ لَبِسَهُ ابنُ مسعود، وقال ابن عمر: ما طَهُرَت كفٌّ فيها خاتمٌ من حديد)، وهذا الإسناد هو الذي روى من خلاله ابنُ عبد البر أحاديثَ الأثرم وسؤالاته، وقال عنه ابن عبد البر في موضع آخر: (وهذا إسناد صحيح كل مذكورٍ فيه ثقة معروف بالعلم)، وعبد الله بن محمد شيخ ابن عبد البر هو ابن عبد المؤمن، وعبد الحميد هو ابن أحمد الوراق، كما هو ظاهر في سياق أسانيد أخرى من التمهيد، فالإمام أحمد اقتصر في جوابه هنا على ذكر الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ولم يذكر غير ذلك، وهذا ما فعله ابن رجب في كتابه أحكام الخواتم، إذ ذكر سؤال الأثرم للإمام أحمد، وكان جواب الإمام أحمد أن ذكر حديث عمرو بن شعيب، ثم حكى اختلاف الصحابة كما حكاه ابن عبد البر، ثم قال الإمام أحمد: اختلفوا فيه.

والذي تميل له نفسي هو أن ما نقله ابن عبد البر وابن رجب من كلام الأثرم أصح وأظهر؛ لأن الإمام أحمد يبعد أن يحتج بخبر أبي طيبة أو يذكره مستدلاً به وحالُه من عَرفتَ، وحديثُه استنكره الترمذي والنسائي وغيرهما، ولأن المعروف عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يلبس خاتم الحديد كما صحَّ عنه وسيأتي ذكرُ الآثار عنه، ولأن المرداوي يقول في الإنصاف: (إذا علمت ذلك؛ فالصحيح من المذهب أن المراد بالكراهة هنا: كراهة تنزيه، قال ابن رجب: عند أكثر الأصحاب)، فهل يُمكن أن ينضاف ما نقله ابن مفلح عن الأثرم إلى ما نقله الكوسج إلى ما نقله مهنَّا -وسيأتي-، ثم يذهب أكثر الأصحاب إلى أن المذهب هو كراهة التنزيه فحسب؟ هذا بعيد. والله أعلم

- وفي الإنصاف: (ونقل مُهَنَّا " أكره خاتم الحديد؛ لأنه حِليَةُ أهلِ النار ") ا. هـ.

فهذه خلاصة النقول عن الإمام أحمد وعند تأملها يتبين لنا بظهور أن الإمام أحمد ينهى عن خاتم الحديد، ويكرهه ويراه حلية لأهل النار وهذا ظاهر معروف في نصوص الكتاب، ومنها قول الله تعالى: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) (غافر:71)، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (سبأ: من الآية33)، ولكنه إذا تأملنا سؤال الأثرم على ما حكاه ابن عبد البر وابن رجب، نجد أن الإمام أحمد لا يحتج احتجاجاً ظاهرا بحديث عمرو بن شعيب؛ فإنه ذكره ثمَّ ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، ثم ختم جوابه بقوله - كما في نقل ابن رجب -: (اختلفوا فيه)، وعند أئمة الإسلام كأحمد وغيره ليس مع النص الصريح الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم كلامٌ لأحد، فكيف بعد ذكره الحديث يختم جوابه بقوله: (اختلفوا فيه) هذا مما يوهن النص ويضعف دلالته أو ثبوته ولا يكون من أحمد ولا ممن هو أقل قدراً منه إن كان يرى صحة الخبر، ثم إن الإمام أحمد جزم به معلقاً إلى عمرو بن شعيب، ولم يذكر الخبر عن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015