فكلمة (مَحْلا) هكذا جاءت في المسند، ومعناها: مجدبا، من أمحلت الأرض إذا أجدبت، وجاء في الرواية الأخرى للمسند وعند الطيالسي (مُمْحِلا) وهي بمعنى الأولى، ومثلها حديث النواس رضي الله عنه في شأن الدجال وفيه (فيصبحون مُمْحلين)، وجاء في رواية الطبراني (قَحْلا)، وقحل الناس: يبسوا من شدة القحط. فهذا اختلاف في الروايات لكن المعنى واحد.

ت- بإمكانه مراجعة كتب غريب الحديث إن كانت الكلمة غريبة -أي يقل استعمالها- أو كانت مشتركة مع غيرها في المعنى؛ فالمصنفون في الغريب يعتنون ببيان الفروق المعنوية بين المشتركات في الألفاظ، وأحيانا يوردون أحاديث أخرى فيها ذات الكلمة أو قريبة منها في المعنى فيستفيد الخطيب بمراجعتها نصوصا أخرى، واتساعا في علم معاني الحديث.

والكتب في الغريب كثيرة ومتداولة ومن أشهرها: كتب الخطابي والحربي وابن الأثير.

ث- يمكنه أيضا أن يراجع كتب أهل اللغة كالقاموس والصحاح واللسان ونحوها؛ فإن أهل اللغة يأتون بجذر الكلمة ويذكرون ما فيها من استعمالات، ويستدلون لما يوردون من المعاني بالقرآن والسنة وأشعار العرب وأمثالهم.

ثامنا: التأكد من أن استدلاله بالحديث صحيح، فقد يكون معنى الحديث أو الشاهد منه على غير الوجه الذي أراده الخطيب؛ إما لفهمه على الخطأ، أو سمعه من أحد خطأ، أو يكون المعنى الذي قصده شاذا أو مرجوحا، وقد يحكيه على أنه المعنى الوحيد للحديث مع كونه مرجوحا.

وتلافي الخطأ في ذلك يكون بمراجعة كتب الشروح، ويستفيد من مراجعتها بعض النصوص الأخرى غير حديثه المشروح، وقد يجد آثارا وأقوالا للعلماء تنفعه في موضوعه.

فإن كان حديثه في الكتب الستة فقد شرحت شروحا كثيرة، وإن كان الحديث في كتاب لم يطبع له شرح، أو هو لا يملكه، فلن يعدم حيلة يجد فيها الحديث:

فقد يجده في شروحات عمدة الأحكام أو المنتقى أو بلوغ المرام إن كان الحديث في الأحكام.

وإن كان الحديث قولا وجده في شروح الجامع الصغير كفيض القدير للمناوي.

وربما وجده في شروحات مشكاة المصابيح أو رياض الصالحين أو شرح السنة للبغوي أو غيرها من كتب المجاميع والشروح.

تاسعا: ينبغي للخطيب أن لا يشير إلى الأحاديث إشارة لا يفهمها إلا من كان حافظا للحديث، مستحضرا له، فليس كل المصلين يحفظون الأحاديث، وليس كل من يحفظها يستحضرها في الحال، ولا سيما إذا كان الحديث لا يطرق الأسماع كثيرا.

عاشرا: إذا كان في الحديث إشارة توضيحية من النبي عليه الصلاة والسلام، فأرى أن يطبقها الخطيب وهو يقرأ الحديث؛ تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولإفهام المصلين كيف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالوصف وحده قد لا يفهمه كل المصلين، والفعل أبلغ من الوصف.

وكثيرا ما جاء في الأحاديث: وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، وخنس الإبهام، فبسط يديه أو قبضهما، وأشار بيده هكذا، أو قبل المشرق، يقول هكذا بأصبعه، وقبض أصابعه ...

وأحيانا قد لا يجد الخطيب وصفا دقيقا في الرواية كيف فعل النبي عليه الصلاة والسلام، إما لاختصارها أو بدا للراوي أنها معروفة فلم يوضحها، وعلى الخطيب في مثل ذلك أن يجمع الروايات، ويطلع على شرح الحديث؛ ليتبين له الوصف كاملا إما من رواياته الأخرى وإما من كلام الشراح.

وذلك مثل حديث ابن عمر في أن الله تعالى يطوي السموات والأرضين بيديه، قال ابن عمر يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث بهذا: ويقبض أصابعه ويبسطها. هكذا في رواية مسلم، والحديث في الصحيحين. وزاد ذلك إيضاحا رواية للنسائي وفيها: وجعل باطنها إلى السماء. ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn13))

الحادي عشر: إذا أنهى الخطيب صلاته، ثم سئل عن معنى في حديث استشهد به، أو أورد أحد المصلين عليه إشكالا في استدلاله، أو دليلا آخر ينقض ما قرره في خطبته، فلا يخلو الخطيب من حالين:

الأولى: أن يكون عنده جواب لهذا الإشكال، ويعلم ما قد يورد على استدلالاته من أدلة أخرى، ولديه أجوبة لها -ولا يتأتى ذلك للخطيب إلا بالتحضير الجيد- فليزل تلك الإشكالات، ويُجِبْ عنها بما آتاه الله تعالى من علم وفقه وتحضير جيد لموضوعه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015