ولايشك ناقد في صناعة الحديث أن هذا خطأ، فإنما ذلك في عائشة وأبي بكر كماهو متفق عليه في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص، ومن حديث أنس عند ابن ماجه والترمذي وابن حبان، فكلام الحافظ على هذا هو الصواب الصحيح؛ فإن الحافظ ابن حجر لا يلقي القول جزافا كغيره بل يقارن ويوازن وينظر في أحاديث الراوي، وإلا فكيف استغرق في هذا الكتاب ثلاثة وعشرين عاما".

أقول: ماذكره الدكتور ماهر لايدل على أن حديث بريدة خطأ لمايلي:

1 - أن الحديث الذي فيه ذكر عائشة وأبي بكر رضي الله عنهما مرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما في حديث بريدة فهو من كلام بريدة نفسه، فيكون قد أجاب بمايراه هو لأنه لم يخبر أنه أخذ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. يبين هذا بوضوح رواية النسائي هذا الحديث في سننه الكبرى (5/ 140) ففيها قول ابن بريدة: جاء رجل إلى أبي فسأله: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء؟ فقال:كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء فاطمة، ومن الرجال علي.

وبمثل هذا الجواب أجاب الطحاوي عن تعارض مزعوم بين حديث وأثر في هذا الموضوع. (انظر شرح مشكل الآثار 13/ 331)

2 - أنه يحتمل أن يكون بريدة رضي الله عنه أراد أحب النساء، وأحب الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، أعني بيت النسب والقرابة، لأن "أهل البيت" له إطلاقان، تدخل الزوجات في أحدهما، ولايدخلن في الآخر.

يؤيد هذا ماجاء في آخر رواية الترمذي للحديث، وهو قول إبراهيم بن سعيد الجوهري شيخ الترمذي في هذا الحديث: يعني من أهل بيته. وهذا جمع بين الحديثين يرفع التضاد عنهما.

وبمثل هذا أجاب الطحاوي في شرح مشكل الآثار 13/ 328.

وأيد هذا الجمع المحب الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى /35.

وذكر المناوي جمعا آخر فقال: ولا ينافي ذلك قوله في حديث آخر: (أحب النساء إلي عائشة)؛ لأن المراد بالنساء زوجاته الموجودات عند قوله ذلك (سيدة نساء أهل الجنة /15).

وعلى فرض أن يكون حديث بريدة خطأ فلادليل على إلزاق الخطأ بعبدالله بن عطاء بل في السند من هو أولى بإلزاق الخطأ به، وهو جعفر بن زياد الأحمر الراوي عن عبدالله بن عطاء، فقد كان شيعيا بل من رؤساء الشيعة بخراسان (كما في تهذيب الكمال 5/ 41)، وهذا الحديث الذي يرويه فيه تأييد لبدعته، إذا حمل على ظاهره وإطلاقه كما فهم منه ذلك الدكتور ماهر؛ لأن فيه دليلا على مايدعيه الشيعة من أن عليا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر، وقد صرح الدكتور ماهر في كتابه ص 135 بأنه يعتقد أحقية ماذهب إليه الجوزجاني من أن المبتدع لايقبل منه مايرويه ممايقوي بدعته.

وقد قال ابن حبان في جعفر الأحمر هذا: كثير الرواية عن الضعفاء، وإذا روى عن الثقات تفرد عنهم بأشياء في القلب منها (كتاب المجروحين 1/ 214).

والترمذي حين روى هذا الحديث فقال: حدثنا إبراهيم بن سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حدثنا الْأَسْوَدُ بن عَامِرٍ عن جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ عن عبد اللَّهِ بن عَطَاءٍ عن ابن بُرَيْدَةَ عن أبيه الحديث، قال: حسن غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه.

فلم يصححه لأجل جعفر الأحمر فيما يظهر، فكل رجال السند سوى جعفر ثقات عند الترمذي، وقد روى الترمذي حديثا (في سننه 3/ 54 برقم 667) قال: حدثنا عَلِيُّ بن حُجْرٍ حدثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ عن عبد اللَّهِ ابن عَطَاءٍ عن عبد اللَّهِ بن بُرَيْدَةَ عن أبيه الحديث، ثم قال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ هذا من حديث بُرَيْدَةَ إلا من هذا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عَطَاءٍ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحديث. فهو يوثق عبدالله بن عطاء ويصحح حديثه، فظهر أنه لم يصحح حديث بريدة في "أحب النساء" لأجل جعفر الأحمر.

تنبيه

ذكر الطبراني أن حديث بريدة في "أحب النساء" لم يروه عن عبد الله بن عطاء إلا جعفر الأحمر ومندل بن علي (المعجم الأوسط7/ 199)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015