أقول: بل يظهر لي أن رواية عبدالله بن عطاء عن عقبة لا تعد تدليسا، ولا إرسالا خفيا أيضا، وإنما هي إرسال ظاهر أي انقطاع؛ فالذي يظهر أن عبدالله بن عطاء لم يعاصر عقبة بن عامر وأنه ولد بعد وفاته، ويستفاد هذا من قصة شعبة في بحث هذا الحديث، فبعد أن ذكر ابن عبدالبر القصة من رواية نصر بن حماد الوراق والتي ذكرها الدكتور ماهر في كتابه ذكر ابن عبدالبر أن نصر بن حماد يروي عن شعبة مناكير، وأنه متروك، ثم ذكر أن القصة رويت من وجوه أخرى عن شعبة بخلاف بعض ماذكره نصر بن حماد في روايته، ثم روى بسنده رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة لهذه القصة، وفيها قول شعبة: كنت عند أبي إسحاق فحدث بهذا الحديث، فقال: حدثني عبدالله بن عطاء عن عقبة بن عامر، قال شعبة: وكان أبو إسحاق إذا حدثني عن رجل لا أعرفه قلت: أنت أكبر أم هذا؟ فقال: حدثني ذاك الفتى. فتحولت فإذا شاب جالس فسألته، فقال: صدق أنا حدثته، فقلت: أنت من حدثك؟ ... (التمهيد 1/ 51)

والمعروف أن مولد شعبة كان سنة 82، وأنه في أول أمره طلب الشعر، فقد قال: لولا الشعر لجئتكم بالشعبي، قال الذهبي: يعني أنه كان في حياة الشعبي مقبلا على طلب الشعر (سير أعلام النبلاء 7/ 212). ووفاة الشعبي كانت في سنة 104 في قول الأكثر، وقال يحيى القطان: مات الشعبي قبل الحسن بيسير، ومات الحسن سنة عشر ومائة بلا خلاف.وعلى هذا يكون شعبة طلب الحديث بعد سنة 104، على أقل التقديرين المذكورين في تاريخ وفاة الشعبي، ولنفترض أن قصة بحث شعبة لذلك الحديث وقعت في أول طلبه للحديث أي في سنة 104، وكان عبدالله بن عطاء وقتها شابا كما جاء في القصة فقد وصفه شعبة بأنه شاب، ووصفه أبوإسحاق بأنه فتى، والفتى: الشاب أول شبابه بين المراهقة والرجولة (المعجم الوسيط/673)

فلنفترض على أقصى تقدير أن عُمُرَ عبدالله بن عطاء وقت القصة كان أربعين سنة، فتكون ولادته سنة 64، أي أنه ولد بعد وفاة عقبة بن عامر بأربع سنوات؛ لأن عقبة بن عامر مات قبل الستين. والمقصود من هذا أن عبدالله بن عطاء لم يعاصر عقبة بن عامر فروايته عنه إرسال ظاهر وليست تدليسا ولا إرسالا خفيا.

ومما يؤيد هذا قول شعبة: " وكان أبو إسحاق إذا حدثني عن رجل لا أعرفه قلت: أنت أكبر أم هذا؟ "؛ لأنه إذا كان شيخ أبي إسحاق أكبر من أبي إسحاق لم تستنكر رواية ذلك الشيخ عن عقبة وأمثاله من الصحابة. فلما سأله عن عبدالله بن عطاء أهو أكبر منه؟ وأشار إلى شاب عرف شعبة أن هذا الشاب لايمكن أن تكون له رواية عن عقبة، وأنه لابد أن يكون بينه وبين عقبة واسطة، فذهب إليه وقال له: من حدثك؟.

وكذلك الأمر في سعد بن إبراهيم، وزياد بن مخراق فهما لم يدركا عقبة بن عامر، وكلاهما من الطبقة الخامسة من طبقات التقريب، بل ذكر ابن المديني أن سعد بن إبراهيم لم يلق أحدا من الصحابة. ولهذا فإن شعبة لما حدثه عبدالله بن عطاء بحديث عقبة عن سعد بن إبراهيم، وكان يعلم أن سعد بن إبراهيم لم يدرك عقبة، فلابد أن تكون بينهما واسطة ذهب إلى سعد وسأله عمن حدثه، فلما أخبره بزياد بن مخراق وكان يعلم أن زياد بن مخراق لم يدرك عقبة، فلابد أن تكون بينهما واسطة ذهب إلى زياد فسأله عمن حدثه.

والمقصود من هذا كله أن هذه القصة ليس فيها دلالة على تدليس أحد من هؤلاء الثلاثة، لأنهم لم يدركوا عقبة بن عامر، فروايتهم من باب الانقطاع لا من باب التدليس ولا الإرسال الخفي.

ولهذا ذكر أبوزرعة العراقي عبدالله بن عطاء في تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل، وقال: روايته عن عقبة بن عامر الجهني في سنن ابن ماجه، ولم يدركه (تحفة التحصيل/256).

وقال سبط ابن العجمي في ترجمة عاصم بن عمر بن قتادة: ذكر له الحاكم في المستدرك حديثا في الزكاة عن قيس بن سعد بن عبادة في بعثه ساعيا ثم قال: على شرط مسلم؛ قال الذهبي عقيبه: بل منقطع؛ عاصم لم يدرك قيسا انتهى. وإذا كان كذلك فقد تقدم أن هذا إرسال ظاهر، وليس بتدليس على الأصح ولا ينبغي أن يذكر عاصم مع المدلسين (التبيين لأسماء المدلسين /120 طبعة محمد الريان، وقد نسب الدكتور الدميني في كتابه /205 هذا الكلام كله للشيخ حماد الأنصاري في إتحاف ذوي الرسوخ، وهو فيه لكن الشيخ الأنصاري نقله من التبيين، فظن الدميني أنه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015