لا تطمئن إلى اعتماد هذا الحكم، وبالتالي فينبغي الرجوع إلى ترجمته في التهذيب، وتهذيب الكمال، ثم الحكم عليه بعد تطبيق القواعد المقررة في علم الحديث، هذا مع التزام الإنصاف وترك التعسف، لهذا وغيره رأيت كتابة هذه الرسالة نصحا للمسلمين المشتغلين بهذا العلم، وذبا عن حديث النبي الأمين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وخدمة للسنة المطهرة. فينبغي أن يعلم أن الهدف من تأليف هذه الرسالة إنما هو تنبيه المشتغلين بعلم الحديث إلى بعض ما في التقريب مما لا تطمئن النفس إليه، ولكنه مما يعترض فيه عليه، ولاسيما من كان محكوما عليه في التقريب بأنه مقبول، حتى تكون الهمم متجهة أيضا إلى التهذيب دون الاقتصار كلية على التقريب حتى لا يحكم على راو بلفظ من ألفاظ التعديل، ويكون الصواب أن يحكم عليه بلفظ من ألفاظ الجرح، أو العكس، فيؤدي هذا إلى تحسين الإسناد الضعيف أو تصحيحه، وكذلك تضعيف الإسناد الحسن أو الصحيح وغير ذلك.

ثم ذكر ست عشرة ملحوظة من الملحوظات العامة على منهج ابن حجر في أحكامه على رواة التقريب، سأذكر واحدة منها، وهي أن الحافظ ابن حجر ترجم لعدد كبير من الرجال ممن روى عنهم واحد أو أكثر ونص واحد من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين أو أكثر على توثيقهم، ولم يذكر أحدا من الأئمة جرحهم، فقال في كل منهم:"مقبول" (انظر الباب الحادي عشر) فهو بهذا يكون غير معتد بتوثيق هؤلاء الأئمة كعدم اعتداده بذكر ابن حبان لأحد من الرواة في "الثقات" مع أنه اعتمد توثيق كل منهم في عدد كبير من التراجم، فأطلق على صاحب كل ترجمة أحد ألفاظ التوثيق سواء انفرد أحد هؤلاء الأئمة بتوثيقه، أو ذكره ابن حبان أيضا في "الثقات" (وانظر أمثلة لهؤلاء في الباب الثاني عشر).

والحكم على الرواة السابقين بأنهم مقبولون إن كان لأنهم أو أكثرهم أو بعضهم كانوا من المقلين أي لم يكن لهم من الحديث إلا القليل فليس بشيء في الحقيقة؛ لأن كون الراوي كثير الحديث لا يستلزم أن يكون ثقة أو صدوقا فكم من راو له من الحديث الكثير، ومع ذلك فهو محكوم عليه بالضعف الشديد، وكون الراوي قليل الحديث لا يستلزم أن يكون ضعيفا ضعفا هينا أو شديدا فكم من راو ليس له من الحديث إلا القليل وهو ثقة أو صدوق، وقد ذكرنا في الباب الحادي عشر عددا غير قليل ممن نص بعض الأئمة المعتمدين على توثيقهم مع أنهم لم يرووا من الحديث إلا القليل، وحكم عليه ابن حجر نفسه في التقريب بأنه ثقة أو صدوق أو نحو ذلك، ولم تمنعه قلة حديثه من الحكم عليه بذلك. وهذا الباب - أعني باب من حكم عليه في التقريب بأنه مقبول مع أنه نص بعض الأئمة المعتمدين على توثيقه مع عدم وجود جرح من غيرهم فيه - يعد من أهم الأبواب التي ينبغي أن ينظر في التهذيب من أجلها، وينبغي عدم الاقتصار على التقريب أو الاكتفاء بما فيه من ألفاظ الجرح أو التعديل التي أطلقها ابن حجر على أصحاب هذه التراجم. على أنه يمكن أن يقال: إن إطلاق لفظ"مقبول" على أصحاب هذه التراجم يعد أمرا مستغربا فيبعد أن يصدر هذا من الحافظ ابن حجر، وهذا بدوره يجعل احتمال التحريف من الناسخ أو الطابع لبعض الألفاظ التي أطلقت على بعض الرجال احتمالا قائما، وربما كان الوهم من الحافظ نفسه. (إمعان النظر/12).

ثم ذكر الشيخ عطاء في مقدمة الباب الحادي عشر أن الأخذ بقول ابن حجر في هؤلاء الرواة الذين قال فيهم:"مقبول" يتسبب في الحكم على أسانيد الأحاديث التي وردت من طريقهم بالضعف كما هو معلوم، مع أن الصواب أنها تكون حسنة الإسناد أو صحيحة؛ لأن قول ابن حجر فيهم يعد وهما ظاهرا.

ثم ذكر ثمانين راويا من أمثلة هذا الباب. (انظر إمعان النظر/80 - 134).

وقد اشتمل إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر على مئات التراجم التي انتقد الشيخ عطاء حكم الحافظ ابن حجر فيها، وقد صدر الكتاب في سنة 1414 هـ أي قبل صدور كتاب تحرير التقريب بثلاث سنوات، والسؤال هنا: لماذا لم يغضب الدكتور ماهر لابن حجر بعد صدور كتاب إمعان النظر؟ ولماذا لم يغضب لابن حجر إلا على كتاب شيخه الدكتور بشار عواد، وصديقه الشيخ شعيب الأرنؤوط؟!

الوقفة الثالثة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015