وخلاصة ما تقدم أن هناك فرقاً بين تدليس التسوية، وبين التسوية، وأن إسقاط مالك لعكرمة هنا ليس تدليساً ولا يضر، لأن شيخ مالك وهو ثور لم يلق ابن عباس، فالانقطاع ظاهر بين ثور وابن عباس، وإنما أسقط مالك عكرمة لأنه غير حجة عنده، أما لو كان شيخ مالك وهو ثور لقي ابن عباس فيكون تدليساً.

أما الدار قطني فقد وصفه ابن طاهر بالتدليس قائلاً: (كان له مذهب خفي في التدليس يقول: قرىء على أبي القاسم البغوي حدثكم فلان) يريد محمد بن طاهر أن تلك العبارة وهم أنه سمع منه. لكن الصحيح أن لا يوصف بالتدليس لمثل ذلك.

وأما البخاري، فقد وصفه ابن منده بالتدليس لأنه كان يقول: "قال فلان، وقال لنا فلان" لكن لم يوافق على هذا الرأي فكان شاذاً. كما وصف الإمام مسلم بذلك أيضاً. وقد رد العلماء ذلك وقالوا: هذه الروايات التي لم يصرح فيها أصحابها بالسماع منزلة منزلة السماع، وذلك لمجيئها من طريق آخر مصرح فيه بالسماع، غير أنهما يؤثران الطريق التي لم يصرح بالسماع لكون الأولى جاءت على شرط صاحب الكتاب دون الثانية، قال ابن الصلاح: (كل هذا محمول على ثبات السماع عندهم من جهة أخرى) كما

أنه يشفع للشيخين (البخاري ومسلم) ما جاء في المستخرجات على صحيحيهما من الطرق الكثيرة، التي صرح فيها بالتحديث والسماع. كما يشفع لمسلم خاصة كثرة طرق الحديث الواحد في صحيحه، فهو يأتي بالمتصلة أولاً وما صرح فيها بلفظ السماع، ثم يعقبها بما ليس فيه تصريح بالسماع، وهو بهذا إذا احتج إنما يحتج بالمتصلة منها لا بغيرها.

وأما سفيان بن عيينة: فقد قال عنه ابن حجر: (ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات) وتدليسه هذا نادر، ولا يضر، لأنه لا يدلس إلا عن الثقات. وإذا وقف أحال عن ابن جريح ومعمر وأمثالهما. قال ابن حبان (هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة، فإنه كان يدلس، ولا يدلس إلا عن ثقة متقن. ولا يكاد يوجد له خبر دلس فيه، إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته). انظر تقريب التهذيب لابن حجر صـ591، وأسباب رد الحديث للدكتور محمد محمود بكار صـ109 وإذا أردت التوسع في ذلك فيمكنك الرجوع إلى تدريب الراوي للسيوطي، وعلوم الحديث لابن الصلاح إلخ. والله أعلم.

وإليك أحوال المدلسين باختصار: 1 - منهم من تسامح الأئمة في قبوله لكونه ثقة، ولكون تدليسه نادراً 2 - من احتمله الأئمة لكونه لا يدلس إلا عن ثقة مثل سفيان بن عيينة 3 - أئمة ثقات، لكن كثر تدليسهم عن الضعفاء والمجهولين مثل: بقية بن الوليد. فهذا لا يحتج به إلا إذا صرح بأنه سمع الحديث من الراوي.

ضعفاء لا يحتج بهم ولو صرحوا بالسماع ممن يروون عنه لأنه ازداد ضعفهم بالتدليس.

وذكر ابن حجر مرتبة خامسة في طبقات المدلسين، وهي: من ضعف بأمر آخر سوى التدليس، وانضم إليه ضعف آخر كابن لهيعة.

والله أعلم. أهـ

ـ[ابو عبيدة العراقي]ــــــــ[23 - 07 - 08, 10:32 م]ـ

جزاك الله خيرا أخي حسن وأحسن الله اليك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015