ويقرر العلم الحديث أن الجنين فيما بين اليوم الثامن والواحد والعشرين يأخذ صورة العلق المختلفة من تعلق شيء بشيء ومن ظهوره كقطعة دم جامد، حتى تكتمل صورته كصورة العلقة التي تسبح في البرك وتتعلق بالماشية في نهاية الأسبوع الثالث. (ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك) حيث يأخذ الجنين شكل المضغة المستديرة المميزة بعلامات تشبه طبع الأسنان عليها. وبسطح غير منتظم، وتنتج الفراغات بين الكتل البدنية شكلا أشبه بالمادة الممضوغة. ويتجلى الإعجاز في التطابق بين الاسم والمسمى، مع أن الجنين من الصغر بحيث لا يزيد طوله عن قدر أنملة، والفترة الزمنية بين الأطوار قصيرة، وتقدير عمر الجنين قبل اكتشاف البيضة وارتباط دورة الحيض بها أمر غاية في الصعوبة. كما أن النطفة، والعلقة، والمضغة، التي ذكرها القرآن الكريم لم تكن معروفة أصلا في تلك الأيام. كذلك فإن الأعضاء الأساسية للجنين في الداخل تبدأ في التمايز والتخلق، وبالتدريج يأخذ الجنين شكل المضغة المخلقة وغير المخلقة (10).

2. وجه الإعجاز في حديث اليوم الثاني والأربعين:

هذا الحديث النبوي الشريف يتحدث عن خلق أعضاء السمع والبصر والعضلات وأعضاء الذكورة والأنوثة والتصوير الآدمي للجنين، ويحدد زمانها بيوم يبدأ بعده خلق أو استكمال خلق هذه الأجهزة لا قبله وهو ما أكدته الحقائق العلمية في علم الأجنة.

3. إشارة النصوص إلى مرحلتي التخليق والنمو:

تعتبر مرحلة تكون الأطوار الخمسة الأولى من طور النطفة الأمشاج، وحتى طور كساء العظم باللحم في المرحلة الأساسية في التخليق، والتي تسمى في المراجع الطبية بالمرحلة الجنينية. وقد أشار إليها حديث جمع الخلق في الأربعين يوما الأولى، وحديث اليوم الثاني والأربعين. كما يمكن بناء على هذين الحديثين أيضا تقسيم مرحلة التخليق زمنيا إلى قسمين: الأول: الأسابيع الستة الأولى بعد التلقيح وفيها تقع الأطوار الثلاثة الأولى وتتخلق أثناءها براعم أعضاء وأجهزة الجسم وذلك بتجميع خلايا الأعضاء وبداية عمل الخلق. والثاني: اكتمال خلق أجهزة الجسم في صورتها المعهودة حيث لا يتم ذلك إلا بعد الأسبوع السادس من عمر الجنين.

وأما مرحلة النمو واكتمال وظائف الأعضاء المخلقة، فهي التي تتميز بوجود علامات ترجح نفخ الروح، وتبدأ هذه المرحلة من أول الشهر الثالث وحتى نهاية الحمل، وتعرف في المراجع الطبية بالمرحلة الحميلية، وأشار إليها نص سورة المؤمنون:" ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ".

وقد أثبت علم الأجنة أن مرحلة التخليق تكون في الأسابيع الثمانية الأولى من عمر الجنين، ويتكون خلالها معظم أجزاء الأجهزة والتركيبات الجنينية المختلفة. وقسمها العلماء إلى طورين: طور انقسام وتمايز الخلايا الجنينية، وزمنه في الأسابيع الثلاثة الأولى أي: (زمن طوري النطفة والعلقة) وطور تكون وتشكل أعضاء الجنين وزمنه من الأسبوع الرابع وحتى نهاية الأسبوع الثامن (زمن أطوار المضغة والعظام والكساء باللحم) ولا تنتهي هذه الفترة إلا وقد تشكلت الملامح الأساسية للجنين.

وقد تطابقت المعلومات العلمية والدراسات الجنينية الحديثة، بعدما أصبحت حقائق مشاهدة مع ما ورد في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بكل هذه الحقائق؟ ومن كان يجرؤ من البشر في زمنه عليه الصلاة والسلام، بل وبعد زمنه بعشرة قرون، أن يحدد تاريخا. باليوم. من عمر الجنين يفصل به بين مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف، بل ويذكر فيه تفاصيل لم تعرف إلا بعد أبحاث مضنية، وبعد تقدم وسائل المعرفة واختراع المجاهر الدقيقة!

قال تعالى:" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ " فصلت 53،54.

المصدر: نص المحاضرة بحث أعده الدكتور عبد الجواد الصاوي وألقاه في مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي عقد في الكويت عام 2006.

الهوامش والمراجع:

1. فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/ 10303 كتاب بدء الخلق , باب ذكر الملائكة. رقم الحديث 03208 و6/ 363

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015