أيضا من الخلل في ذلك الباب تطبيق منهج نقد السنة الصارم على نقد الآثار التي ليس لها حكم الرفع، كرواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب، فلم يثبت أن سعيدا سمع من عمر إلا روايات معدودة لأنه كان صغيرا مثل نعيه للنعمان بن مُقَرِّن، وروى عن عمر بن الخطاب آثار وفتاوى كثيرة حتى كان أعرف الناس بفقه عمر إلى درجة أن ابن عمر كان إذا خفي عليه شيء من فقه أبيه أرسل إلى سعيد يسأله، فكيف يعتمد عبد الله ابن عمر على سعيد مع أنه لم يسمع من أبيه لأنه يعرف انه متثبت ولأن منهج نقد الآثار ليس هو منهج نقد الأحاديث المرفوعة أو التي لها حكم الرفع

أيضا صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فهي وجادة ورغم هذا عبارة الإمام أحمد في مدحها مشهورة وتعتبر من الروايات المقبولة عن ابن عباس، ويجب أن ينتبه هنا أن معنى القبول لا يعني أنها وصلت درجة المسند، ولذلك بالتتبع وجدت العلماء وعلى رأسهم الطبري يقبل رواية ابن أبي طلحة إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها، فإذا جاء لإسناد صحيح متصل عن ابن عباس من رواية كبار تلامذته ومخالف لرواية علي بن أبي طلحة فيرد رواية علي بن أب طلحة لأنها وإن كانت مقبولة لكن ليست أقوى من الرواية المتصلة

الخلل الثالث في هذا الباب: عدم مراعاة أسانيد نسخ التفسير، وهذا مهم جدا، فمن المعروف أن من فضائل علم التفسير أنه من أوائل العلوم التي دونت، فتلامذة ابن عباس كمجاهد وغيره كانوا يكتبون عنه التفسير، والسنة وإن كتبت لكن كتابتها لم تكن بتقدم كتابة وشيوع كتابة التفسير، وهذه ميزة عظيمة لعلم التفسير، فشيوع تدوين التفسير كان أسبق من شيوع تدوين السنة، لذلك تجد مرويات أو كتب أو صحائف في التفسير لا نجد مثلها في السنة، فهذا الكتاب الذي كتبه مجاهد مثلا ثم أصبح يرويه عنه تلامذته، هذا كتاب فلا يحتاج إلى ضبط ونحوه فالإسناد مجرد زينة له، ولذلك تساهلوا ورووه بالوجادة، فلا يصح أن آتي وأطبق عليه منهج نقد السنة النبوية الذي يُغفِل جانب أن هذه وجادات

وأضرب مثالا: ففي تاريخ الطبري وتفسيره ينقل الطبري مرويات كثيرة عن ابن اسحاق في التفسير وفي السير من روايته عن محمد بن حميد الرازي عن سلمة بن الفضل الأبرش عن ابن إسحاق، فيأتي المعاصر ويقول: محمد بن حميد الرازي ضعيف، وسلمة بن الأبرش فيه كلام يعني صدوق، فيقول هذا إسناد إما ضعيف أو شديد الضعف، والواقع أنه يا - ابن الحلال - ينقل من سيرة ابن إسحاق، يعني لو قال لك ابن جرير: قال ابن إسحاق في سيرته ستقبل، فهل تكون مشكلته أنه ذكر لك الإسناد، صار لما يذكر الإسناد يصير عقوبة له أنك تضعف الرواية، لو نقل وقال لك: قال مجاهد في تفسيره ستقبل مثل لو قلت لك قال قلان وبيني وبينه قرون ستقبل لأني ثقة عندك وأنقل لك من كتابه المعروف، قلنا الإسناد ليس المقصود منه دائما نقد المروي من خلال الإسناد، وهذا يبين ضرورة تحديد نسخ التفسير ومعرفتها لمعرفة كيف تُنقَد هذه الأسانيد أصلا على منهج المحدثين لأن المحدثين يراعون تفاوت النسخة المروية عن غيرها، فهذا خلل كبير جدا دخل على من ينتقد أسانيد التفسير لأنه ما راعى نسخ التفسير وكيفية التعامل معها

وأضرب أمثلة واقعية، رواية جويبر عن الضحاك، فجويبر شديد الضعف، وتفسير الضحاك مدون ومعروف، والذين رووا عنه التفسير ثلاثة أو أربعة من الرواة تقريبا، انظر ماذا يقول الإمام أحمد عن تفسير جويبر: يقول: جويبر ما كان عن الضحاك فهو على ذاك أيسر، وما كان عن النبي فهي منكرة، أنا أذكر بأن جويبر شديد الضعف متروك متهم بأنه قد يكذب لكن لما كان كتابا مشهورا متداولا فما يفرق عند المفسر كان من رواية جويبر أو غيره

أيضا يقول أحمد بن سيار المروزي عن نفس هذه النسخة: جويبر صاحب الضحاك له رواية ومعرفة بأيام الناس وحاله حسن في التفسير وهو لين في الرواية، حسن في التفسير الذي يرويه عن الضحاك لأنه يروي نسخة ما له فيها لا ناقة ولا جمل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015