كما يشعر أيضا قوله: " ظلمت نفسي " بأن العبد هو المتضرر الوحيد في حال ارتكابه الذنب، وأن ضرر ذنبه سيعود على نفسه، فكأن لسان حال العبد: يا رب ما فعلته من ذنوب لا يعود ضرره عليك لكمالك، وإنما أنا المتضرر به، وقد اعترفت بظلمي لنفسي.

الفائدة التاسعة والأربعون:

يدل قوله: " ظلمت نفسي واعترفت بذنبي " أن العدل مع النفس هو بإقامتها على شرع الله وقهرها عليه.

الفائدة الخمسون:

في ترتيب قوله: " ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا " ترتيب بديع حيث قسم الأمور إلى ثلاثة أشياء:

أولا: منزلة الاعتراف بالذنب، وهي قوله: " واعترفت بذنبي ".

ثانيا: منزلة الطلب، وهي قوله: " فاغفر لي ذنوبي جميعا ".

ثالثا: منزلة النتيجة، وهي قوله: " ظلمت نفسي ".

فكان الأصل أن يقدم قوله: " اعترفت بذنبي " لكنه بدأ بالنتيجة " ظلمت نفسي " إظهار لتمام الافتقار لله، فكأنه قال: لم أستفد شيئا، فقد أذنب، وها أنا اليوم أطلب منك المغفرة، وهذا بهذا المقام أليق، فسبحان اللطيف الحكيم.

الفائدة الحادية والخمسون:

في قوله: " واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا " تحقيق لما جاء في الحديث الآخر القدسي:" علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، قد غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء ".

ولعمر الله إن الإنسان ليعمل الذنب وهو عالم به، معترف بخطيئته، نادم على مخالفة ربه، لهو أهون عند الله ممن يعمل الذنب متحايلا على شرع الله كما يحدث اليوم في بعض المعاملات المالية، وقضايا الأنكحة، والله المستعان.

الفائدة الثانية والخمسون:

من تأمل الحديث وجد جميع رواياته - التي وقفت عليها – بلفظ " واعترفت بذنبي " ثم لما طلب المغفرة قال: " واغفر لي ذنوبي " فنلاحظ أنه غاير بين اللفظين، فأفرد أولاً ثم جمع ثانيا، فما السر في ذلك؟

لعل من الأسرار – والله أعلم وأحكم – أن المصلي المستفتح بهذا الدعاء يتكلم عن نفسه أولا مبينا توحيده وتوجهه للذي فطر السموات والأرض، ثم أثنى على ربه بما هو أهله، ثم تحدث عن نفسه وأنه عبد لله، وقد ظلم نفسه وجاء معترفا بذنبه، فهو يبين حاله، وأنه كالعبد الآبق الهارب من سيده الذي جاء عائدا لسيده معترفا بخطئه، فناسب ذلك أن يقول: " واعترفت بذنبي ".

فلما انتقلت المناجاة إلى طلب بين يدي ربه ناسب أن يطلب من ربه مغفرة خطاياه جميعا، فإن مقام الطلب يناسبه الجمع.

الفائدة الثالثة والخمسون:

في قوله: " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " مع قوله: " فاغفر لي ذنوبي جميعا " تناسب واضح في الدعاء ونهايته، وهذا يرجع إلى فقه العبد بدعائه، وتفكره وتدبره له.

الفائدة الرابعة والخمسون:

قوله: " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " أليق بهذا المقام من قول: إنك أنت الغفار، وذلك لأن مقام المصلي في استفتاحه مقام العائد إلى ربه، والعائد يناسبه أن يعترف بأنه لم يجد غير ربه، فناسب أن يبدأ بالنفي " إنه لا يغفر ".

ولذلك جميع ألفاظ الحديث بدأت بالنفي: " لا يغفر الذنوب إلا أنت " و " لا يهدي لأحسنها إلا أنت " و " لا يصرف عني سيئها إلا أنت " و " لا منجا ولا ملجأ ".

الفائدة الخامسة والخمسون:

قوله: " واهدني لأحسن الأخلاق " يدل على أن الأخلاق فيها حسن وأحسن، وأنها مقامات، والمؤمن الموفق من هداه الله لأعلى مقاماتها، وهذا يجعل الإنسان يتجاوز التفكير بالانتصار للنفس من الغير عدلا من دون ظلم إلى خُلُقٍ أحسن من ذلك وهو العفو والصفح، وحياة النبي > فيها الدلالة على التعامل بأحسن الأخلاق، فمنه تستقى مادة أحسن الأخلاق.

الفائدة السادسة والخمسون:

في سؤال المصلي - المستفتح بهذا الدعاء - حسنُ الأخلاق لطيفة على التأكيد على موضوع الأخلاق، وأن أهميتها وصلت إلى أن المصلي يسألها ربه قبل صلاته.

وهذا يرد على الذين ينظرون على الأخلاق وأنها من محاسن الأمور، ومن نوافل الإيمان دون فرائضه، فقد رفع هذا الحديث قدر الأخلاق حتى جعلها مما يستفتح بها المصلي صلاته، وأنها من الواجبات شرعا، فإن الدين كله يقوم على الأخلاق.

الفائدة السابعة والخمسون:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015