ذكره الوجه دليل على ارتباط الظاهر بالباطن، والقلب بالجوارح كما هو مذهب أهل السنة والجماعة في العلاقة بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح.

فتوجه قلب المصلي لله أثر على توجه جوارحه ومنها الوجه، ثم يبقى بعد ذلك مقدار هذا التوجه مبني على مقدار توجه القلب لربه، فكلما زاد توجه القلب لربه زاد توجه الجوارح، فخشع البصر فلم يتعد موضع سجود، وسكنت جوارحه فلم تطيش، وأما إذا ضعف توجه القلب لله ضعف أيضا توجه الجوارح، فأصبح البصر يلتفت وهذا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة المرء، والجوارح تعبث، وقد يصل الأمر إلى أضعف من هذا.

الفائدة الثلاثون:

قوله: " وجهت وجهي للذي فطر السموات " دليل على تلازم توحيد الربوبية مع الألوهية، فمن عرف أن الله هو فاطر السموات والأرض قاده ذلك إلى التوجه له بالعبادة.

الفائدة الحادية والثلاثون:

قوله: " فطر السموات والأرض " فيه حث على التفكر في مخلوقات الله وآلائه، وأن التفكر فيها يهدي للتوجه لربها وفاطرها ومبدعها سبحانه وتعالى.

فكم يمر الإنسان بجبال وأنهار؟ وكم نغفل عن الليل والنهار والشمس والقمر؟ وصدق الله وفي أنفسكم أفلا تبصرون.

الفائدة الثانية والثلاثون:

فيه دليل على أن قراءة جزء من الآية في الدعاء أو غيره لا يعتبر قرآناً، لأن قوله: " فطر السموات والأرض وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " هذه جزء من آية، فلو كانت قرآنا لكان المستفتح بهذا الدعاء مخالفا للسنة حيث قرأ قرآنا قبل الفاتحة، فصح القول بجواز قول الدعاء والذكر ولو تضمن جزء من آية، وعلى هذا لو قرأ في ركوعه تسبيحا فيه جزء من آية لم يكن داخلا في النهي عن قراءة القرآن وهو راكع.

الفائدة الثالثة والثلاثون:

فيه التوكيد على الاعتراف بالتوحيد لله سبحانه، وقد تكرر الاعتراف له في هذا الدعاء أكثر من مرة:

فقوله: " وجهت وجهي "، وقوله: " حنيفا "، وقوله: " مسلما " ()، وقوله: " وما أنا من المشركين ".

كلها عبارات تدل على التوحيد، وتعطينا الأهمية التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن في ذكره لتوحيده، وهذا التكرار والاعتراف يناسب دعاء الاستفتاح جدا، فإن المصلي يريد أن يناجي ربه، ولهذا يذكر له توحيده له ويكرر هذا الأمر فإنه لن يجد أمرا يذكره في هذا المقام أفضل من ذكره للتوحيد.

الفائدة الرابعة والثلاثون:

ما تقرب متقرب لله سبحانه وتعالى أفضل من أن يوحده، ويبرأ من الشرك به.

الفائدة الخامسة والثلاثون:

بين هذا الدعاء أن الإنسان لا يخلو من حالتين فقط:

حنيف موحد أو مشرك، لأنه قال: " حنيفا وما أنا من المشركين " ولو كان هناك خيار ثالث لذكره، لأن المقام مقام إثبات ونفي، فيقتضي الحصر، فعلى الإنسان أن يفتش عن نفسه، ويجدد إيمانه بالله سبحانه وتعالى.

الفائدة السادسة والثلاثون:

الملاحظ أن الصيغة في أول الحديث صيغة إفراد، ثم قال: " وما أنا من المشركين " وهي صيغة جمع، ولعل ذلك – والله أعلم – ليبين أن المؤمن لا يغتر بكثرة الهالكين، فكأن لسان حال المؤمن الموحد: أني وجهت وجهي موحدا لك، ولست من أولئك الذين أشركوا بك، فلم أغتر بهم وبعددهم لأنهم على ضلالة.

الفائدة السابعة والثلاثون:

في قوله: " صلاتي ونسكي " ذكر أهم عبادتين وهما: الصلاة والذبح لأنهما يتضمنان كثيرا من العبادات الأخرى، فالصلاة تتضمن الذكر وقراءة القرآن والدعاء والخشوع والإخلاص وغيرها، والذبح يتضمن التسليم والانقياد والتعظيم والبذل المادي وغيرها، وكثيرا ما تقترن الصلاة بالذبح كما في قوله: " فصل لربك وانحر ".

الفائدة الثامنة والثلاثون:

قوله: " ومحياي ومماتي " يشمل ما يلي:

أ ـ حال الحياة وحال الموت، والمعنى على هذا: أن حياتي كلها، وموتي لله رب العالمين، أحيا على التوحيد وأموت عليه، وهو هنا يشمل الحياة على التوحيد والثبات عليه.

ب ـ حال الحياة وما بعد الموت، والمعنى على هذا: أن حياتي كلها لله أطيعه فيها، وأعمل الصالحات، و ما بعد الموت أيضا لله من الحشر والصراط وغيره، إلا أن ما بعد الموت على هذا التفسير لا يستقيم مع قوله " لله رب العالمين " فإن الآخرة در جزاء.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015