مقتطف من رسالتي إتحاف النبيه أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه

ـ[الترفاس رشيد]ــــــــ[13 - 05 - 08, 01:52 م]ـ

اختلف الناس قديما وحديثا في سماع أبي عبيدة من أبيه عبد الله، فأثبتها بعض العلماء، في حين نفاها آخرون، وقد دعم كل من الفريقين قوله بدلائل وحجج تقوي ما ذهب إليه، وسأعرض المشهور منها تباعا إن شاء الله.

أدلة القائلين بإثبات السماع:

أولا: روى ابن أبي حاتم في المراسيل (ص:256): حدثنا صالح بن أحمد، نا علي بن المديني قال: سمعت سلم بن قتيبة قال: قلت لشعبة: إن البري يحدثنا عن أبي إسحاق أنه سمع أبا عبيدة يحدق أنه ابن مسعود. قال: أوه، كان أبو عبيدة ابن سبع سنين.

هذا من بين الأدلة التي يعتمدها القائلون بإثبات السماع، ودليلهم هنا يكمن في كون ابن سبع سنين يصح سماعه على الراجح إذا توفر فيه الحفظ والتيقظ والإتقان، وهنا مسالة مهمة:

قد يقول قائل: إذا كان سماع ابن سبع سنين صحيح، فلماذا لا تقبلون صحة سماع أبي عبيدة من أبيه، نقول: نعم، بل ونقبل ابن خمس أيضا، فقد روى البخاري في كتاب العلم عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.

لكن قبل ذلك لابد من التحقق من صحة هذا السند، وبعد النظر فيه وجدنا فيه البري، وهو عثمان بن مقسم البري، قال يحي بن معين: عثمان البري ليس بشيء، هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث.

وقال ابن المبارك: كان قدريا، وأكثر ما جاء به لا يعرف. كذا في الميزان للذهبي.

وفي اللسان للحافظ ابن حجر (4/ 155):

تركه يحي القطان وابن المبارك، وقال أحمد: حديثه منكر، وقال الجوزجاني: كذاب، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال الفلاس: صدوق لكنه كثير الغلط صاحب بدعة.

فتبين بهذا أن هذا السند لا يصح، لذلك فلا يعول عليه في هذه المسألة، ولو صح لكان فصلا في الخلاف، والله أعلم

ثانيا: في المراسيل لابن أبي حاتم (رقم:953):

سألت أبي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، هل سمع من أبيه عبد الله؟ قال: فقال أبي: لم يسمع. قلت: فإن عبد الواحد بن زياد روى عن أبي مالك الأشجعي عن عبد الله بن أبي هند عن أبي عبيدة قال: خرجت مع أبي لصلاة الصبح.

قال أبي: ما أدري ما هذا، عبد الله بن أبي هند من هو؟

أي أنه ضعف هذا الإسناد. وهو حقيق بذلك، فإن عبد الله بن أبي هند ذكره البخاري في التاريخ الكبير (5/ 223) وفي الضعفاء الصغير (ص:68) وقال:

" لا يصح حديثه ".

ونقله عنه الحافظ الذهبي في الميزان (4/ 219) والحافظ في اللسان (3/ 374).

في حين ذكره ابن حبان في الثقات (5/ 54) ولكن هذا التوثيق مما لا يلتفت إليه لما يعلم من تساهل ابن حبان رحمه الله في التوثيق.

ثالثا: قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي عبيدة (4/ 363):

روى عن أبيه أشياء وأرسل أشياء.

الجواب عن هذه الشبهة هو أن الرواية لا تستلزم السماع، فكم نجد في تراجم الرواة أن فلانا روى عن فلان، ولكنه لم يسمع منه، ولنمثل على هذا بمثال:

الحسن بن أبي الحسن البصري، قال الحافظ في ترجمته من التهذيب (2/ 246):

روى عن أبي بن كعب وسعد بن عبادة وعمر بن الخطاب، ولم يدركهم، وعن ثوبان وعمار بن ياسر وأبي هريرة وعثمان بن أبي العاص ومعقل بن سنان ولم يسمع منهم.

فتبين بهذا أن قول الذهبي رحمه الله: روى عن أبيه أشياء لا يستلزم أنه سمعها منه، ومن نظر في المسند للإمام أحمد وجد أحاديث كثير لأبي عبيدة عن أبيه، فهل يلزم من ذلك أنه سمعها منه؟

فالرواية إذن لا تقتضي السماع، والله اعلم.

رابعا: قال الدارقطني كما في التحقيق لابن الجوزي (2/ 318) وكذا في التهذيب لابن حجر (5/ 65):

أبو عبيدة أعلم بحديث أبيه ومذهبه من خشيف بن مالك ونظرائه.

الجواب عن هذا أنه لا ملازمة بين العلم بحديث فلان ومذهبه وبين أن يكون سمع ذلك منه، فقد يقال عن عالم ما، هو أعلم بحديث مالك ومذهبه مثلا، فهل هذا يلازم أنه تلقاه عنه وشافهه به، الأمر ليس كذلك، إذن فمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه عبد الله لا يستلزم السماع منه، فقد يكون أخذه عن بعض أهل بيته، أو بعض المقربين والمكثرين عنه، والعجب كيف يستدلون بكلام الدارقطني وهو من النافين للسماع كما سيأتي إن شاء الله. وقد رأيت نحو هذا الكلام للحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري له «شرح الصحيح»: (7/ 342) حيث قال:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015