هذا اختيار الإمام الشافعي في تعريف الشاذ، وهو اشتراط المخالفة قيد المخالفة، مع كون الراوي ثقة، أما مع تخلف الشرط الأول وهو المخالفة فلا يسمى شاذ، إلا على قول من يطلق الشذوذ على مطلق التفرد، سواء كان المتفرد ضعيفاً أو ثقة، منهم من يطلق الشذوذ بإزاء التفرد، سواء كان المتفرد ثقة كان أو ضعيفاً، ومنهم من يطلق الشذوذ على تفرد الضعيف، أما تفرد الثقة فلا سمى شاذ على هذا القول، والإمام الشافعي يشترط في الشذوذ أن يكون راويه ثقة من الثقات، وأن يخالف به من هو أوثق منه، والشاذ يخالف المنكر على تعريف الشافعي؛ لأن الشافعي يقصر الشذوذ على مخالفة الثقة، فيكون النكارة فيما يخالف فيه الضعيف عند من يشترط قيد المخالفة، ومن لا يشترط يأتي الكلام فيه في وقته -إن شاء الله تعالى-، فالفرق بين الشاذ والمنكر أن الشاذ مخالفة الثقة، والمنكر مخالفة غير الثقة، وهذا ما قرره الإمام الشافعي فيما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا فالشافعي حققه

وعرفنا أن الحاكم والخليلي يطلقان الشذوذ على مجرد التفرد، يختلفان في كون المتفرد ثقة أو مطلقاً، ثقة أو غير ثقة "والمقلوب قسمان تلا".

إبدال راوٍ ما براوٍ قسم ... وقلب إسناد لمتن قسم

نعم المقلوب ما ينقلب فيه على راويه، سواء كان القلب في المتن أو في السند، أو فيهما معاً، فإذا انقلب السند على راوٍ من الرواة، ولذا يقول: "إبدال راو ما براو" هذا قسم من أقسام المقلوب، فالحديث المعروف بنافع إذا جعله راوٍ من الرواة عن سالم يكون قلب سنده، وهو ما أشار إليه بقوله: "إبدال راوٍ ما براوٍ قسم" وأظهر من هذا قلب الاسم بجعل مرة بن كعب، كعب بن مرة، أو نصر بن علي، علي بن نصر، هذا قلب ظاهر في الإسناد، وأما قلب المتن فوجد له أمثلة، "وقلب إسناد لمتن قسم" يعني يقلب الإسناد كله فيجعله لمتن غير متنه، لكن ظهور القلب في الإسناد إنما يكون بجعل الأب ابناً والابن أب، لا يتصور أن ينقلب إسناد بجعل التلميذ شيخ والشيخ تلميذ، إلا من باب رواية الأكابر عن الأصاغر يمكن هذا، أما قلب المتن فأمثلته موجودة وواضحة وظاهرة، مما يمثل به لمقلوب المتن، ما رواه مسلم في صحيحه من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، جاء في بعض الروايات: ((ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الرواية المتفق عليها: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لأن الإنفاق إنما يكون باليمين فانقلب على الراوي فقال: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وهذا في الصحيح، ومن باب صيانة الصحيح يمكن أن يخرج الحديث على وجه يصح، يمكن الإنسان يتصدق بشماله، وهذا إذا كان مكثراً من الصدقة، فيحتاج الإنفاق بشماله كما كان ينفق بيمينه، وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، إلا أن أقول به: هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه، فقد يحتاج مع كثرة الإنفاق إلى الإنفاق بالشمال، وأيضاً قد يضطر الإنسان إلى الإنفاق بشماله عند الإخفاء، إخفاء الصدقة، يعني لو جلس محتاج إلى جهة الشمال، وعنده أناس على جهة يمينه، وأراد أن يعطيه شيء من المال ألا يمكن أن يعطيه بشماله بحيث لا يشعر من كان على يمينه؟ نعم يمكن، وهل يجد المنفق عليه المعطى في نفسه شيء؛ لأنه أعطى بالشمال؟ لن يجد، يعني الأصل أن الأخذ .. ، لو أعطيت واحد، قال: أعطني ماء، قلت: خذ، بشمالك، يعني لا شك أنه يجد في نفسه، لو تقول: أعطني قلماً مثلاً، تقول: خذ يا أخي، بالشمال، الأصل أنه باليمين، لكن لو مديته بالشمال، أعطيته بالشمال، هذا لا شك أنه ....... ، لكن شخص محتاج فقير أعطي؛ لئلا يعلم الناس، هو يحب -هذا الفقير- أن تخفى الصدقة عن الناس أكثر من أن يحب أن ينفق عليه باليمين، فإذا وجد أناس على جهة اليمين والفقير على جهة الشمال يخرج الدراهم يعطيها إياه بشماله، وهذا يحتاج إليه في مسألتين: إذا كان مكثراً من النفقة، من الإنفاق في سبيل الله فأحياناً ينفق هكذا وهكذا، كما جاء في الحديث الصحيح عن يمينه وعن شماله، وأحياناً لشدة الإخفاء عن رؤية الناس يحتاج إلى أن ينفق على جهة الشمال، وهذا إنما يقال من باب صيانة الصحيح، وصيانة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015