العزيز على ما اختاره المؤلف، وهو قول ابن الصلاح، وقبل ابن الصلاح ابن مندة: أن العزيز ما يرويه اثنان فأكثر، اثنين أو ثلاثة، وما يزيد على الثلاثة يسمى مشهور، هذا ما اختاره المؤلف، وما مشى عليه ابن الصلاح تبعاً لابن مندة، فكون الراوي الواحد عزز بمجيئه من طريق آخر، عزز يعني قوي بمجيئه من طريق آخر يسمى عزيز، فإذا جاء الخبر من أكثر من طريق يسمى عزيز؛ لأنه عزز يعني قوي بمجيئه من طريق آخر، والطريق الثالث أيضاً تعزيز {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] هذا ما يستند إليه أصحاب هذا القول أن التعزيز بالثالث لا يزال في إطار العزيز، والاصطلاح العلمي كل ما يقرب من النصوص الشرعية يكون أقوى، {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}، والتعزيز التقوية، الواحد فيه ضعف، فإذا جاء من طريق آخر تعزز وقوي، من طريق ثالث تعزز، لكن ما المانع أن يقال مثلاً: رواية أربعة معزز، برابع معزز، بخامس وهكذا، لكن أهل الاصطلاح يخصون كل نوع باسم، باسم خاص، وكل ما قرب الاصطلاح من النصوص يكون أقوى، حتى اختار بعض المتأخرين أنه لو سمي مروي الاثنين المئزر، {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [(29) سورة طه] لو كان واحد يؤزر بثاني، يدعم بما يآزره ويقويه، ومروي الثلاثة هو العزيز، {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} لكن المسألة اصطلاحية، وأهل العلم هم الذين جعلوا هذه الاصطلاحات لهذه الحقائق، المسميات لهذه الحقائق، فما مشى عليه المؤلف أن مروي الاثنين والثلاثة يسمى عزيز، ومروي فوق الثلاثة يسمى مشهور هو مجرد اصطلاح، وذكرنا أنه تبعاً لابن الصلاح وقبله ابن مندة، لكن الذي يراه ابن حجر أن العزيز ما يرويه اثنان فقط، أما مروي الثلاثة فهو الشهور، ما يرويه اثنان فقط هو العزيز، بحيث لا يتفرد به راوي، ولو في طبقة من طبقات إسناده، يعني هل المقصود في العزيز أن يروي الخبر اثنان فقط عن اثنين فقط عن اثنين فقط عن اثنين فقط؟ ليس هذا هو المقصود عند أهل العلم، إنما يتفرد به اثنان في أي طبقة من طبقات السند؛ لأن الأقل عند أهل العلم يقضي على الأكثر، لو رووه عشرة عن اثنين عن عشرة صار عزيز وهكذا، لكن لو في إحدى الطبقات يتفرد به واحد، لا يكون عزيزاً، بل يكون فرداً أو غريباً على ما سيأتي، يروي الخبر خمسة عن ستة عن ثمانية عن اثنين عن عشرة نحكم عليه بأنه عزيز؛ لأن العدد الأقل عند أهل العلم يقضي على الأكثر، ابن حبان يقرر أن العزيز لا وجود له في الرواية، لماذا؟ كأنه يتصور أن العزيز مروي اثنين فقط عن اثنين عن اثنين عن اثنين، بحيث لا يزيدون ولا ينقصون في أي طبقة، نعم إن كان المرد هذا فهذا الكلام صحيح، قد لا يوجد، أما على التعريف الذي حرره ابن حجر وهو ألا يقل العدد عن اثنين في طبقة من طبقات الإسناد، ولو زاد في غيرها هذا موجود، حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) مروي من طريق أبي هريرة ومن طريق أنس، ثم يرويه عن أبي هريرة اثنان وعن أنس اثنان، هذا ماشي على تعريف ابن حجر يرويه أربعة مثلاً عن اثنين، عن كل واحد اثنين، فهذا يكون معززاً عنده، كون الحديث عزيزاً بحيث يروى من طريقين فأكثر ليس بشرط لصحة الخبر، وليس من شرط البخاري في صحيحه، ولذا يقول ناظم النخبة لما عرف العزيز، قال:

"وليس شرطاً للصحيح فاعلم" بعض النسخ: "وقيل: شرط وهو قول الحاكم" وبعض النسخ الأخرى، ولعلها هي المتأخرة يقول:

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رمي من قال بالتوهمِ

كلام الحاكم أبي عبد الله يومي إلى أن الإمام البخاري يشترط تعدد الرواة لكل خبر، ولا يكتفي برواية واحد، وهذا يومئ إليه كلام الحاكم، وصرح به ابن العربي بأنه شرط البخاري، وصرح به أيضاً الكرماني شارح البخاري بأن هذا شرط البخاري، ويفهم من كلام البيهقي في بعض المواضع، لكن التصريح عند ابن العربي في شرح حديث: ((هو الطهور ماؤه)) من عارضة الأحوذي، قال: "لم يخرجه البخاري، لم يخرجه البخاري؛ لأنه من رواية واحد عن واحد، وشرطه العدد" الكرماني شارح البخاري صرح بهذا في مواضع، كلام الحاكم يومئ بذلك، يعني ما هو بصريح، ومثله البيهقي أن العدد شرط، أما كون العدد شرط للصحة فهذا قول المعتزلة الذين يردون خبر الذي تفرد به الواحد الثقة، هذا قول المعتزلة،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015