المبهم: هو الحديث الذي فيه راوٍ لم يصرح باسمه كعن رجل، أو عن بعضهم، أو بعض الناس، أو فتى أو عن شيخ، ومنه ما يؤول إلى العلم، ومنه ما لا يتوصل إلى العلم به، والمبهم فن في غاية الأهمية بالنسبة لعلوم الحديث؛ لأن معرفة هذا المبهم إذا كان في الإسناد يتوقف عليه التصحيح والتضعيف، والقبول والرد، فلا بد من البحث عنه، وقد يأتي مبهم في طريق، ويبين في طريق أخرى، وألف العلماء في المبهمات، ومن أهمها كتاب الخطيب: (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) والنووي له كتاب في المبهمات، وغيره له كتاب، ابن بشكوال مجموعة من أهل العلم جمعوا الأسماء المبهمة وعينوها من طرق أخرى، وبقيت أسماء لم يتوصل إلى تعيينها، ومن أجمع ما كتب وألف في الباب (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) للحافظ ولي الدين أبي زرعة ابن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-، وهو إمام في هذا الشأن، مطبوع، طبع محققاً في ثلاثة مجلدات، فالتعيين المبهم في غاية الأهمية؛ لأنه إن كان في السند يحتاج إليه في التصحيح والتضعيف، وإن كان في المتن، سأل رجل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن كذا فقال، أو يرد ذكره في القصة، تعيينه مهم؛ لننظر عن مدى .. ، وإن كان أقل من أهمية الإبهام في السند، وقد يبهم المذكور قصداً من الرواة ستراً عليه، إذا كان الحديث يتضمن ما يتنقص به من أجله، يسترون عليه، لكن تعيينه يفيد في الإسناد مثل ما ذكرنا، وفي المتن معرفة هذا الرجل، وهل هو متقدم الإسلام؟ وهل هو متأخر الإسلام؟ لننظر عند التعارض هذا الخبر متقدم أو متأخر؟ من أجل معرفة الناسخ والمنسوخ بواسطة هذا الرجل، الذي ذكر في متن الحديث، فالمبهمات تعيينها مهم جداً، سواء كانت في المتن أو في الإسناد.

"ومبهم ما فيه راوٍ لم يسم" وبعضهم يطلق على السند الذي فيه راوٍ مبهم يسمونه مرسل، وبعضهم يسميه منقطع؛ لأن وجود هذا المبهم وعدمه سواء، وجوده مثل عدمه، كأنه لم يوجد، لكن الصواب أنه متصل، وفيه راوٍ يحتاج إلى تعيين؛ لأن الواسطة بين الاثنين مذكورة، والمنقطع أو المرسل فيه سقط، هذا ما فيه سقط، لكن في شخص ما تحدد، ما عرفت عينه، والمبهم قسم من أقسام المجهول، ويمكن تسميته بمجهول الذات، يمكن تسمية المبهم هذا مجهول ذات، لكنه لا ينصرف إليه اسم الانقطاع ولا الإرسال.

وكل ما قلت رجاله علا ... وضده ذاك الذي قد نزلا

العالي والنازل عند أهل العلم، العلو والنزول أولاً: مما ذكر من فوائد المستخرجات، والاستخراج عند أهل العلم: أن يعمد حافظ –عالم- يروي الأحاديث بأسانيده إلى كتاب من كتب المعتبرة الأصلية، فيروي أحاديث الكتاب من غير طريق صاحب الكتاب، من فوائد هذه المستخرجات تعيين المبهم، الذي مر ذكره، قد يأتي مبهم في الكتاب المخرج عليه، ثم يأتي مبهماً، ثم يعيين في المستخرج، من فوائد المستخرجات العلو، فالعالي والنازل، العالي مرغوب عند أهل الحديث، والمراد بالعلو قلة عدد الرواة، قلة الوسائط بين الراوي والنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قلة الوسائط سمي الخبر عالياً، وإذا كثرة الوسائط بين المحدث والنبي -عليه الصلاة والسلام- سمي نازلاً، والعلو مثل ما ذكرنا سنة عند أهل الحديث مرغوبة، وطريقة متبعة، يرحلون من أجله، ويتعبون من أجل تحقيقه، يرحل الليالي والأيام بل والشهور من أجل أن يستفيد، أن يسقط عنه راوي من السند، بحيث يتلقى الخبر بدون واسطة من راويه، وإن كان قد تلقاه بواسطة عنه، فالعلو عندهم مطلوب، وقيل لإمام يحيى أو علي بن المديني في مرضه: ماذا تشتهي؟ قال: "بيت خالي، وسند عالي" خلو البيت مهم للعالم ولطالب العلم ليخلو بربه، والخلوة مطلوبة، إذا تعبد الإنسان، ويبعد عن الأنظار، ويستريح من الأكدار والأغيار، فكون الإنسان يخلو بربه، يخلو بنفسه، يذكر الله ما شاء، يصلي ما شاء، يقرأ ما شاء، يتدبر، يتيسر له أن يناجي الله -جل وعلا-، وأن يحضر قلبه بخلاف ما إذا كان البيت مأهول ومشغول، هذه أمنية، لكن من يطيق منا الجلوس في بيت خالي؛ لأننا اعتدنا كثرت القيل والقال، والاجتماع والروحات والجيات، فيصعب علينا الخلوة في البيوت، هذه صعبة جداً، حتى النساء يصعب عليها البقاء في البيت وحدها في عصرنا هذا من الصالحات فضلاً عن غيرهن، يستبعد أن تجلس ليلة خميس أو ليلة جمعة في البيت، لا بد أن يروحون يمين يسار، ويتوسعون

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015