و كيف يضعها الإمام البخاري في صحيحه و كما أعلم أن البخاري لا يضع رواية إلا إذا كانت موصلة عنده في مكان آخر أو هي صحيحة عنده كما هو الحال في معلقاته رحمه الله تعالى

بارك الله فيكم

أخي الحبيب إليك عذا النقل عن الألباني رحمه الله " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " (3/ 160):

ضعيف.

رواه ابن سعد في " الطبقات " (1/ 1/130 ـ 131): أخبرنا محمد بن عمر ; قال:

حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي موسى عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف عن

ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الوحي .. إلخ.

قلت: و هذا سند واه جدا، محمد بن عمر هو الواقدي و هو متهم بالكذب على علمه

بالمغازي و السير <1>، و شيخه إبراهيم بن محمد بن أبي موسى لم أعرفه، و لكني

أظن أن جده أبي موسى محرف من أبي يحيى، فإن كان كذلك فهو معروف و لكن بالكذب،

و هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني، كذبه جماعة.

و يرجح أنه هو ; كونه من هذه الطبقة و كون الواقدي الراوي عنه أسلميا مدنيا

أيضا، و قد قال النسائي في آخر كتابه " الضعفاء و المتروكون " (ص 57):

" و الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

1 - ابن أبي يحيى بالمدينة.

2 - و الواقدي ببغداد.

3 - و مقاتل بن سليمان بخراسان.

4 - و محمد بن سعيد بالشام، يعرف بالمصلوب.

فهذا الإسناد من أسقط إسناد في الدنيا، و لكن قد جاء الحديث من طريق أخرى من

حديث عائشة في صحيح البخاري و غيره، بيد أن له علة خفية، فلابد من بيانها

فأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم 22 ـ ترتيب الفارسي) من طريق ابن

أبي السري:

حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة

قالت: أول ما بدىء برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة

يراها في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب له الخلاء،

فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ... حتى فجأة الحق و هو في غار حراء، فجاءه الملك

فيه فقال: اقرأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارىء

... الحديث إلى قوله: قال (يعني ورقة): نعم لم يأت أحد قط بما جئت به إلا

عودي، و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي و فتر

الوحي فترة، و زاد: حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا

لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها تبدى

له جبريل، فقال له جبريل، فقال له: يا محمد! إنك رسول الله حقا، فيسكن

لذلك جأشه و تقر نفسه فيرجع، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا

أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل، فيقول له مثل ذلك.

و ابن أبي السري هو محمد بن المتوكل و هو ضعيف حتى اتهمه بعضهم، و قد خولف في

إسناده فقال الإمام أحمد في " مسنده " (6/ 232 ـ 233): حدثنا عبد الرزاق به.

إلا أنه قال:

حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا خزنا غدا منه .. إلخ، فزاد

هنا في قصة التردي قوله:

" فيما بلغنا ".

و هكذا أخرجه البخاري في أول " التعبير " من " صحيحه " (12/ 311 ـ 317) من

طريق عبد الله بن محمد و هو أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الرزاق به بهذه

الزيادة، و أخرجه مسلم (1/ 97 ـ 98) من طريق محمد بن رافع: حدثنا عبد الرزاق

به، إلا أنه لم يسق لفظه، و إنما أحال فيه على لفظ قبله من رواية يونس عن ابن

شهاب، و ليس فيه عنده قصة التردي مطلقا، و هذه الرواية عند البخاري أيضا في

" التفسير " (8/ 549 ـ 554) ليس فيها القصة، فعزو الحافظ ابن كثير في تفسيره

الحديث بهذه الزيادة للشيخين فيه نظر بين، نعم قد جاءت القصة في الرواية

المذكورة عند أبي عوانة في " مستخرجه " (1/ 110 ـ 111): حدثنا يونس بن

عبد الأعلى قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد به، و فيه قوله:

" فيما بلغنا "، فهذه الرواية مثل رواية أحمد و ابن أبي شيبة عن عبد الرزاق

تؤكد أن إسقاط ابن أبي السري من الحديث قوله: " فيما بلغنا " خطأ منه ترتب

عليه أن اندرجت القصة في رواية الزهري عن عائشة، فصارت بذلك موصولة، و هي في

حقيقة الأمر معضلة، لأنها من بلاغات الزهري، فلا تصح شاهدا لحديث الترجمة

المذكورة أعلاه، قال الحافظ ابن حجر بعد أن بين أن هذه الزيادة خاصة برواية

معمر، و فاته أنها في رواية يونس بن يزيد أيضا عند أبي عوانة، قال:

ثم إن القائل: " فيما بلغنا " هو الزهري، و معنى الكلام أن في جملة ما وصل

إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، و هو من بلاغات

الزهري، و ليس موصولا، و قال الكرماني: هذا هو الظاهر و يحتمل أن يكون بلغه

بالإسناد المذكور، و وقع عند ابن مردويه في " التفسير " من طريق محمد بن كثير

عن معمر بإسقاط قوله: " فيما بلغنا "، و لفظه " فترة حزن النبي صلى الله عليه

وسلم منها حزنا غدا منه " إلخ، فصار كله مدرجا على رواية الزهري و عن عروة عن

عائشة، و الأول هو المعتمد.

و أشار إلى كلام الحافظ هذا الشيخ القسطلاني في شرحه على البخاري في " التفسير

" و اعتمده، و محمد بن كثير هذا هو الصنعاني المصيصي قال الحافظ في " التقريب

": صدوق كثير الغلط.

و أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال: ضعفه أحمد.

قلت: فمثله لا يحتج به، إذا لم يخالف، فكيف مع المخالفة، فكيف و من خالفهم

ثقتان عبد الرزاق و يونس بن يزيد، و معهما زيادة؟!

و خلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لا عن ابن عباس و لا عن عائشة،

و لذلك نبهت في تعليقي على كتابي " مختصر صحيح البخاري " (1/ 5) على أن بلاغ

الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في "

الصحيح ". والله الموفق. (من الشاملة) أتمنى أن يكون زال عنك الأشكال بهذا النقل

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015