لفظ الحديث في تحريم الظلم يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة في معنى الظلم الذي حرمه الله على نفسه، وهو: أن الله قادر على الظلم لكنه يتركه تنزها، لأن الله حرم الظلم على نفسه، والتحريم والمنع يكون للشيء المقدور عليه، أما المستحيل والممتنع فغير مقدور عليه أصلا حتى تمنع منه النفس.

الفائدة الثامنة عشر:

الحديث رد على أصحاب وحدة الوجود الذين يرون اتحاد اللاهوت بالناسوت، لأن الحديث أثبت أن هناك ربا يحرم، وهناك عبادا حُرم عليهم أيضا الظلم، فهما شيئان مختلفان رب وعبد.

قوله صلى الله عليه وسلم:" يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم " فيها فوائد، منها:

الفائدة التاسعة عشر:

تكرار النداء في قوله:"يا عبادي " فيه زيادة عناية بعباده ورأفة ورحمة وشفقة عليهم، حيث تكرر النداء في الحديث تسع مرات، وهو أمر يوحي لك بالمبالغة في ذلك.

الفائدة العشرون:

قدم في الحديث الضلالة والهدى على الجوع والطعام، والعري واللباس، فقال:"كلكم ضال إلا من هديته " قبل قوله: " كلكم جائع " وقوله:"كلكم عار " ذلك من باب تقديم الأهم، فالضلال أشد خطرا من الجوع والعري، والهداية أتم من الطعام واللباس.

وهذا يشعرنا بالاهتمام بالهداية أكثر من اهتمامنا بطعامنا ولباسنا، وأن نردك خطر الضلال أكثر من إدراكنا خطر الجوع والعري.

الفائدة الحادية والعشرون:

دل الحديث على أن كل من لهم يهده الله فهو ضال، ولهذا قال:"كلكم ضال " فلم يستثن من ذلك أحدا.

الفائدة الثانية والعشرون:

دل الحديث بصريح لفظه أن الله هو الهادي المضل، وهذا من كماله سبحانه وتعالى.

الفائدة الثالثة والعشرون:

دل الحديث على أن الهداية بيد الله لقوله:"إلا من هديته " فمنه تطلب، وبه يستعان للحصول عليها، فعلى من طلبها أن يلتجأ لمالكها ويستجديه ويلح عليه، فإنها فضل منه سبحانه ومنّة.

الفائدة الرابعة والعشرون:

دل على عدم الاعتماد على النفس، وعدم الوثوق بالصفات الشخصية في تحصيل الهداية لأنها بيد الله يؤتيها الله من يشاء، ولهذا أسند الله الهداية إلى نفسه فقط فقال:"فاستهدوني أهدكم " فلا يغتر الإنسان بما لديه من قدرات وذكاء، بل إنك تجد في الواقع المرير من هو مفرط في الذكاء مضحك في هدايته، والأمر بيد الله وحده.

الفائدة الخامسة والعشرون:

قوله:"فاستهدوني أهدكم " ومثله "فاستطعموني أطعمكم " و"فاستكسوني أكسكم " كلها تفسير عملي لقولنا:"لا حول ولا قوة إلا بالله " والتي تدل على أن الإنسان لا تحول له، ولا قوة على التحول إلا بإعانة الله له، ومن ذلك هدايته والضروريات من حياته كطعامه ولباسه، وهذا يبين لنا ضرورة الارتباط بين المؤمن والحوقلة من خلال أمثلة الحديث المذكور.

الفائدة السادسة والعشرون:

دل قوله:"كلكم ضال " وقوله:"كلكم جائع وقوله:"كلكم عار " على تساوي الخلق عند الله، وأن التفاضل بينهم يكون على الأعمال التي يعملونها.

الفائدة السابعة والعشرون:

يدل قوله:"فاستهدوني أهدكم " على تفاوت الناس في الهداية بناء على طلبهم إياها من الله، وعلى ما يعطيهم الله منها، فليسع الإنسان إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من الهداية، خاصة وأن طريق طلبها واضح موحد هو طلبها من الله.

الفائدة الثامنة والعشرون:

دل على إثبات منهج أهل السنة والجماعة في قولهم: بأن الإيمان يزيد وينقص، فإن الهداية تزيد وتنقص كما دل عليه هذا الحديث، وهذا يرجع إلى قوة منهج أهل السنة والجماعة لارتباط أجزائه بنصوص الوحي.

الفائدة التاسعة والعشرون:

في هذا الجزء من الحديث فتح لباب التنافس في دروب الخير والأعمال الصالحة، فإن قوله:"فاستهدوني أهدكم" تفتح باب طلب الهداية فمن شاء فليوسع ومن شاء فليقصر، وكذلك بقية الأعمال والتي هي تطبيق عملي لهداية الله للإنسان، فترى المجتمع يتفنن في تحصيل أنواع الأعمال الصالحات.

الفائدة الثلاثون:

هذا الجزء من الحديث "كلكم ضال إلا من هديته " يعطينا تصورا حقيقا عن معشر البشر الذين نخالطهم، فهم ضُلال إلا من هداه الله، وجوعى إن لم يطعمهم الله، وعراة إن لم يكسهم الله، وهذا التصور يفيد في معرفة التعامل مع الناس، ويحدد لنا مقدار اعتمادنا عليهم في تحصيل المراد، كما يورث فينا العزة ونحن نتعامل مع قوم لا يملكون لأنفسهم طعاما وكساء فضلا لغيرهم، فتجد المؤمن على هذا يعاملهم ويعرف قدرهم خوفا ورجاء.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015