وكان طلبهم العلم خالصا لوجه الله، وقرنوه بالعمل، ولا خير فى علم لا ينفع صاحبه! يقول الخطيب البغدادى (توفى 463 ه): " إنى موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية فى طلبه، وإجهاد العمل بموجبه، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يُعد عالما من لم يكن بعلمه عاملا ".

لذا ترى هؤلاء قد قسموا الليل ثلاثا: فثلث للعلم، وثلث للعبادة، وثلث للنوم. وقد ذكروا فى سيرة الإمام المجتهد الحافظ تقى الدين محمد بن على بن وهب الشهير بابن دقيق العيد (توفى 702 ه) أنه كان " شديد الخوف، دائم الذكر، لا ينام الليل إلا قليلا، ويقطعه فيما بين مطالعة وتلاوة وذكر وتهجد، حتى صار السهر له عادة، وأوقاته كلها معمورة ". بل جاء فى سيرة الحافظ النسابة أبى بكر محمد بن موسى الحازمى المتوفى سنة (584) شابا عن ست وثلاثين سنة، فيما يرويه ابن النجار قال: " سمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول-وكان صالحا-: كان الحازمى رحمه الله فى رباط البديع، فكان يدخل بيته فى كل ليلة، ويطالع ويكتب إلى طلوع الفجر، فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه الليلة بزرا للسراج، لعله يستريح الليلة. قال: فلما جن الليل، واعتذر إليه الخادم لأجل انقطاع البزر، فدخل بيته، وصف قدميه يصلى، ويتلو، إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ قد خرج ليعرف خبره، فوجده فى الصلاة "!!

ومن مظاهر إخلاصهم أنهم ما تكسبوا بالعلم، بل أنفقوا فى سبيله الأموال الطائلة، وشكروا الله تعالى على أن وفقهم لخدمة السنة النبوية. قال هشام بن عبيد الله الرازى (توفى 221 ه): " لقيت ألفا وسبع مئة شيخ:أصغرهم عبد الرزاق، وخرج منى فى طلب العلم سبع مئة ألف درهم ". وذكروا فى سيرة الحافظ أبى مسلم الكجى (توفى 292 ه) –صاحب السنن- أنه لما فرغ العلماء من سمع "سننه" منه، عمل لهم مأدبة أنفق فيها ألف دينار.

لكل ذلك أكبرهم الحكام، واحترموهم ووقروهم، وهابوا سطوتهم، وخافوا كلمتهم، كما أحبهم العامة، وبجلوهم، واتبعوهم. يروى الضياء المقدسى فى سيرة الحافظ العَلَم عبد الغنى بن عبد الواحد المقدسى الجَماعيلى ثم الدمشقى الصالحى (توفى 600 ه)، فيقول: " كان الحافظ بأصبهان مدة، وأراد أن يملكها لملكها .. وكنا بمصر نخرج معه للجمعة، فلا نقدر نمشمى معه من زحمة الناس، يتبركون به، ويجتمعون حوله ".

لأجل ذلك بارك الله لهم فى أعمارهم وأوقاتهم، وحباهم قلبا واعيا، وفكرا وقادا وذكاء باهرا، وأكرمهم بنعمة الحفظ وقلة النسيان. فهذا الإمام الحافظ ابن الحافظ أبو بكر بن داود السجستانى (توفى 316 ه) يقول: " حدثت من حفظى بأصبهان بستة وثلاثين ألفا، ألزمونى الوهم فيها فى سبعة أحاديث، فلما انصرفت وجدت فى كتابى خمسة منها على ما كنت حدثتهم به ".

وكانت ثمرة تلك الجهود المضنية، والعمل الدؤوب، والطلب المتواصل، تلك المصنفات العظيممة التى حفظت أصل الإسلام الثانى، ونقلت للأمة سنة نبيها –صلى الله عليه وسلم- طاهرة نقية، مصفاة منقاة، ونفت عنها الشوائب التى حاولت التعلق بها، وذلك بفضل الله الذى سخر لها حماة الحديث وفرسان الرواية وحفاظ الآثار. فصنفوا كتب الحديث المروية بالأسانيد المتصلة إلى المعصوم –صلى الله عليه وسلم-، وتفننوا فى ذلك: فجمعوا الصحاح والسنن، والمسانيد والمستخرجات والمنتقيات والمستدركات، والأطراف والأجزاء، والثنائيات والثلاثيات حتى العشاريات والعوالى والبلدانيات، وغيرها. وأفردوا الأحديث الضعيفة بمصنفات، وكذا الواهية والموضوعة، والمشتهرة على الألسنة، وأحاديث الأحكام، والآثار المروية عن الصحابة والتابعين. وألفوا فى مصطلح الحديث، والرحلة فى طلبه، وآداب رواته وحملته. وصنفوا فى علم الرجال بشتى فنونه: المؤتلِف والمختلِف، والمتفق والمفترق، والألقاب والكنى والأنساب، وتراجم رواة الحديث متقيدين بكتب مخصوصة كالكتب الستة، أو غيرها، ومنهم من لم يتقيد فصنف فى الثقات، والضعفاء، والمجروحين، وترجموا لأعيان المحدثين، وذكروا طرفا من سيرهم، ورتبوهم على الطبقات حسب اللقيا، منذ عصر الصحابة حتى عصر المصنف.

وهكذا تكونت عند أمتنا هذه الموسوعة الضخمة، الهائلة العجيبة الفريدة، التى غايتها خدمة الكَلِم النبوى الغالى، وحفظه من كل ما يشوبه.

وللحديث بقية ....

ـ[ابو المظفر]ــــــــ[12 - 04 - 08, 07:52 م]ـ

قف على دقة البخارى فى تعليل الأخبار فى صحيحه

http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87002

هذا العنوان كنت وقفت علية من مطالعة بحث فى الملتقى يظهر دائما مع ظهور تعليقات الفاضل ((أمجد الفلسطينى)) لعل فيه شفاء لما فى صدر أخونا الشافعى

ـ[أبو اسماعيل الشافعي]ــــــــ[12 - 04 - 08, 08:27 م]ـ

قف على دقة البخارى فى تعليل الأخبار فى صحيحه

http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87002

هذا العنوان كنت وقفت علية من مطالعة بحث فى الملتقى يظهر دائما مع ظهور تعليقات الفاضل ((أمجد الفلسطينى)) لعل فيه شفاء لما فى صدر أخونا الشافعى

بارك الله فيك

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015