بل لا يصح هذا الاعتراض حتى يبين المعترِض أن جملة الأدلة الضعيفة التي اعتبرها مَنْ ساقها لا تؤسس الحكم الذي بناه عليها، فالشأن ليس في مجرد الاستدلال بالدليل الضعيف فإن هذا باب واسع لا يمكن تحجره ولكن الشأن في تعثر جملة الأدلة الضعيفة عن أن تكون بمجموعها دليلا صالحا لما اعتبره بها.

بقي مما يقال كلمة: وهي أنه قد يعترض على طريقة ابن حجر من حمل الأمر بطاعة الوالدين في الخروج من الأهل والمال على جهة المبالغة بأن يقال:

في الحديث لفظة تمنع هذا الحمل وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " ولا تعقن والديك"

ثم تفرَّع من النهي عن العقوق صورة وهي: أن لو أمراه بالخروج من الأهل والمال.

فنثر الحديث حسب هذه الطريقة: هو لا تعق والديك أبداًَ حتى ولو أمراك بالخروج من أهلك ومالك فلا تعقهما أيضاً.

قلت: وهذه الطريقة وإن كان لها وجه من النظر من جهة قوة هذا الحرف في التحريم وهو "عق الوالدين"

إلا أن ما ذكره ابن حجر رحمه الله من حمل الحديث على المبالغة باعتبار الأكمل هو أولى لأمور ثلاثة:1 - أن هذا الأسلوب العربي في التعبير يقصد كثيرا في المبالغة فهو يذكر غالبا عقب الأمر بالشيء أو النهي عنه لذكر أبعد شيء لإدخاله في الأمر الأول لا على سبيل الشمول ولكن على سبيل المبالغة في استيعاب الحكم فمعنى الحديث: لا تعق والديك أبدا أبدا حتى ولو أمراك بأصعب الأمور أن تخرج من أهلك ومالك فلا تعقهما أيضاً.

2 - اقتران الأمر بالخروج من الأهل مع الخروج من المال كما سبق إيضاحه.

3 - أن هذه الطريقة من ابن حجر فيها إبقاء للحديث حول جملته المقصودة وهي عدم عق الوالدين، وتخريج الصور المذكورة فيه على سبيل المبالغة، ثم إحالة أحكامها الخاصة على النصوص الخاصة بأعيان تلك الصور.

---------------------

ومن فوائد هذا النقل الذي أتحفنا به أخونا أبو الأشبال أنّا عرفنا رأي ابن حجر في حكم طاعة الوالدين في طلاق الزوجة وأنه لا يلزم.

شكر الله لك أخي أبا الأشبال، وكتب أجرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015