التاسع: أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف الواسطة، وأن المرسل لو سماه لبان أنه لا يحتج به، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه إذا سمى لم يسم إلا ثقة ولم يسم مجهولا كان مرسله حجة، وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو مبني على أصل، وهو أن رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟ وفي ذلك قولان مشهوران هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والصحيح: حمل الروايتين على اختلاف حالين، فإن الثقة إذا كان من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كانت روايته عن غيره تعديلا له، إذ قد علم ذلك من عادته، وإن كان يروي عن الثقة وغيره لم تكن روايته تعديلا لمن روى عنه، وهذا التفصيل اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو صحيح.

ينظر: شرح علل الترمذي لابن رجب (1\ 80)

العاشر: أن مرسل من بعد كبار التابعين لا يقبل، ولم يحك الشافعي عن أحد قبوله؛لتعدد الوسائط.

الصارم المنكي (ص: 145 - 147)

تضمنت الفقرة التاسعة ترجيح ابن عبد الهادي في حكم المرسل التفصيل، وهو: أن المُرْسِل إذا عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة، فمرسله مقبول، ومن لم يكن عادته ذلك فلا يقبل مرسله، وذكر أن هذا الترجيح مبني على قاعدة أن مَنْ عُرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة فإن روايته تعديل لمن روى عنه، ولكن يرد على هذا القول: أن هذه القاعدة ليست مطردة، فمن ذكر في حقه أنه لا يروي إلا عن ثقة وجد روايته عن الضعفاء، وقد بين الحافظ ابن عبد الهادي نفسه أن هذا محمول على الغالب، كما سيأتي.

ولعل الراجح في قبول المرسل أنه بحسب الاعتضاد، فإذا جاء من وجه آخر ودلت القرائن على أن له أصلا، ترجح قبول، وقد تقدم ما نقل عن الشافعي من التفصيل في ذلك.

قال الحافظ ابن رجب: " واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا، وهو ليس بصحيح على طريقهم؛ لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث، فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا، قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن. "

شرح علل الترمذي (1\ 297).

ـ[الرايه]ــــــــ[11 - 02 - 08, 01:50 م]ـ

المبحث الثالث: تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد.

من المتقرر لدى أئمة الحديث أن الحديث يتقوى بتعدد طرقه؛ ولذلك كان الأئمة يكتبون أحاديث الراوي للاعتبار بها.

قال الإمام سفيان الثوري - رحمه الله -: " إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه؛ فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به، ومنه ما أكتبه لأعرفه "

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2\ 193)، الكفاية ص (402).

وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: " ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرا مما أعتبر به ويقوي بعضه بعضا "

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2\ 193)، شرح علل الترمذي (1\ 138). .

وقال أيضا: حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)، وحديث (لا نكاح إلا بولي) يشد بعضها بعضا، وأنا أذهب إليها.

الكامل (3\ 266)، السنن الكبرى للبيهقي (2\ 481)، تحفة الطالب (ص: 353)، ميزان الاعتدال (3\ 317).

وقال الإمام الترمذي - رحمه الله - في تعريفه للحديث الحسن: " كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك "

خاتمة الجامع (5\ 757).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضا، حتى قد يحصل العلم بها "

مجموع الفتاوى (18\ 26). .

وقال الحافظ ابن حجر: " إن كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوة "

القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد (ص: 89).

واعتنى أئمة الحديث بمبحث المتابعات والشواهد، وقد عقد له ابن الصلاح بابا سماه:

" معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد "،

وبين الأئمة في هذا الباب ما يصلح للاعتضاد والتقوية، وما يصلح ولا يقبل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015