إباحتها بتأويل الآية سورة النساء الآية 24 فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وقد قدمنا أنه لا دلالة في الآية على إباحتها بل دلالات الآية ظاهرة في حظرها وتحريمها، من الوجوه التي ذكرنا، ثم روي عنه أنه جعلها بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة، وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل، وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه التلف، بترك الجماع وفقده، وإذا لم تحل في حال الرفاهية، والضرورة لا ترقى إليها، فقد ثبت حظرها واستحال قول القائل: إنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم، فهذا قول متناقض مستحيل. وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس وهما من رواتها؛ لأنه كان - رحمه الله - أفقه من أن يخفى عليه مثله. فالصحيح إذا ما روي عنه من حظرها وتحريمها، وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها ". ا هـ.

3 - الباجي قال في المنتقى شرح الموطأ ج 3 ص 334 في كلامه على نكاح المتعة: قد روى ابن حبيب أن ابن عباس وعطاء كانا يجيزان المتعة ثم رجعا عن ذلك، ولعل عبد الله بن عباس إنما رجع لقول علي له. والله أعلم.

4 - أبو بكر بن العربي نقل القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132 أنه قال: " قد كان ابن عباس يقول بجوازها - أي متعة النساء - ثم ثبت رجوعه عنه فانعقد الإجماع على تحريمها ".

5 - الحازمي قال في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 141: " أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته - أي نكاح المتعة - للمضطرين إليه بطول العزبة وقلة اليسار والجدة. ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به ويوشك أن يكون سبب رجوعه قول علي له رضي الله عنه ".

6 - البغوي قال في شرح السنة ج 9 ص 100: " روي عن ابن عباس شيء، جواز نكاح المتعة مطلقا، وقيل عنه بجوازها عند الضرورة، والأصح عنه الرجوع إلى تحريمها، واتفق على تحريمها سائر فقهاء الأمصار ".

7 - شيخ الإسلام ابن تيمية في ج 2 من منهاج السنة ص 156 قال في إباحة ابن عباس المتعة وأكل لحوم الحمر: " روي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه النهي عنها " ا هـ.

لكن رغم هذا كله نرى من أئمة العلم، من لا يثبت رجوع ابن عباس عن إباحته لها، فقد قال الحافظ ابن كثير في الجزء الرابع من البداية والنهاية بعد إيراده في غزوة خيبر من طريق مسند الإمام أحمد بن حنبل حديث سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد عن أبيهما أن عليا قال لابن عباس: صحيح البخاري النكاح (4825) ,صحيح مسلم النكاح (1407) ,سنن الترمذي النكاح (1121) ,سنن ابن ماجه النكاح (1961) ,مسند أحمد بن حنبل (1/ 79) ,سنن الدارمي النكاح (2197). إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر. قال ج 4 ص 194: " ومع هذا ما رجع ابن عباس عما كان يذهب إليه من إباحة الحمر والمتعة، أما النهي عن الحمر فتأوله بأنها كانت حمولتهم، وأما المتعة فإنه كان يبيحها عند الضرورة في الأسفار، وحمل النهي عن ذلك في حال الرفاهية والوجدان، وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه وأتباعهم، ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز إلى زمن ابن جريج ".

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص 173: " أما ابن عباس فروي عنه أنه أباحها - أي متعة النساء - وروي عنه أنه رجع عن ذلك، قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنده أصح " ا هـ.

قال أبو عوانة في مسنده (3/ 23) بعد ذكره لقصة فتوى ابن عباس وكيف طار الركبان بها شعرا، قال: قال يونس: قال ابن شهاب: وسمعت الربيع بن سبرة يحدث عمر بن عبد العزيز وأنا جالس، أنه قال: ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذا الفتيا. "

قال الإمام الشوكاني رحمه الله بعد أن ساق الروايات التي تفيد إباحته عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته) وبهذا يُعلم أن نكاح المتعة حرام لدلالة النص والإجماع، وابن عباس رضي الله عنهما لا يُستغرب رجوعه عن فتواه فقد أُثر عنه ذلك في رجوعه عن القول بأنه لا ربا إلا في النسيئة، فلا يحل لمسلم أن يستند إلى ابن عباس في قول قد ثبت رجوعه عنه والعلم عند الله تعالى.

................

مما سبق يتبين أن الأقوال اختلفت في رجوع ابن عباس عن فتياه، والبحث يحتاج إلى تحقيق ودراسة خاصة، للوصول إلى نتائج موثقة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015