والكذب، والخيانة لفت نظرهم النهي عن الكتابة، كما وقفوا على "الخصوصية" الدقيقة التي عجز فهم صاحب المشروع عن الوصول إليها، ثم انتهوا إلى غير ما انتهى هو إليه.

لم يفهموا كما فهم أن السنة "منكر" ليست من الدين، ولكنهم فهموا من النهي عن كتابة الحديث في أول الأمر أنه كان خشية أن يختلط نص الحديث بنصوص القرآن التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بكتابتها فور تلقيها من أمين الوحي جبريل عليه السلام - وهذا هو الحق الذي يهدي الله إليه طالبي الحق، كما قال - عز وجل -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} .

فالنهي عن كتابة الحديث كان "سياسة مرحلية"، الحكمة فيه ما أشرنا إليه نقلاً عن علمائنا الأتقياء، وليس لأن الحديث ليس من الدين، وأن الأمة ليست في حاجة إليه - كما أدعى صاحب المشروع التعسفي.

ومن أقطع الأطلة على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر في مرحلة تالية لمرحلة النهي، أمر بكتابة الحديث عنه لما زال المانع منها وبانت خصائص القرآن وظهرت سماته المميزة له عن كلام البشر.

فقد أخرج ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله": أن عبد الله بن عمر بن العاص كان يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له بعض الصحابة: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر قد يغضب فيقول ما لا يتخذ شرعاً عاماً. فرجع عبد الله بن عمرو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر له ذلك فقال له - عليه الصلاة والسلام -: "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015