اختلاف الحديث (صفحة 160)

قَالَ الْشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَا يُجْزِئُ مُتَوَضِّئًا إِلَّا أَنْ يَغْسِلَ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ وَبُطُونَهُمَا وَأَعْقَابَهُمَا، وَكَعْبَيْهِ مَعًا، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَشَّ عَلَى ظُهُورِهِمَا. وَأَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ وَجْهٍ صَالِحِ الْإِسْنَادِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ لَا يُجْزِئُ مَسْحُ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ أَوْ رَشُّهُمَا، وَلَا يَكُونُ مُضَادًّا لِحَدِيثِ: إِنَّ النَّبِيَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، كَمَا أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مُضَادًّا لِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ؟ قِيلَ لَهُ: الْخُفَّانِ حَائِلَانِ دُونَ الْقَدَمَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا يُضَادُّ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُهُمَا، وَالَّذِي قَالَ: مَسْحُ أَوْ رَشُّ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ، فَقَدْ زَعَمَ أَنْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ بَطْنِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا تَخْلِيلٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا، وَلَا غَسْلُ أَصَابِعِهِمَا، وَلَا غَسْلُ عَقِبَيْهِ، وَلَا كَعْبَيْهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ، وَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ» ، وَلَا يُقَالُ: وَيْلٌ لَهُمَا مِنَ النَّارِ إِلَّا وَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْعَذَابَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَعْمَى يَتَوَضَّأُ: «بَطْنَ الْقَدَمِ، بَطْنَ الْقَدَمِ» ، فَجَعَلَ الْأَعْمَى يَغْسِلُ بَطْنَ الْقَدَمِ وَلَا يَسْمَعُ النَّبِيَّ، فَسُمِّيَ: الْبَصِيرَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا جَعَلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ مَسْحِ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ وَرَشِّهِمَا؟ قِيلَ: أَمَّا أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَوِ انْفَرَدَ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَحَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا ثَبَتَ، وَالَّذِي يُخَالِفُهُ أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا كَانَ أَوْلَى، وَمَعَ الَّذِي خَالَفَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ كَمَا وَصَفْتُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنَ الْعَامَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015