اختلاف الحديث (صفحة 103)

وَصَفْتُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ ثُبُوتُهُ، وَأَنْ لَا نُعَوِّلَ عَلَى الْحَدِيثِ لِيَثْبُتَ أَنْ وَافَقَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا يُرَدُّ لِأَنْ عَمِلَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ عَمَلًا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ حَاجَةٌ إِلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَيْهِمُ اتِّبَاعُهُ، لَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ تَبِعَ مَا رُوِيَ عَنْهُ وَوَافَقَهُ مُزِيدٌ قَوْلَهُ شِدَّةً، وَلَا شَيْئًا خَالَفَهُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ يُوهِنُ مَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَفْرُوضُ اتِّبَاعُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاسِ، وَلَيْسَ هَكَذَا قَوْلُ بَشَرٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَتَّهِمُ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنِ النَّبِيِّ إِذَا خَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَتَّهِمَ الْحَدِيثَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ لِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا رَوَى خَاصَّةً مَعًا وَأَنْ يُتَّهَمَا، فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ قَوْلًا لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا قَالَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ؛ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضُ قَوْلِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَذْكُرَهُ عَنْهُ إِلَّا رَأَيًا لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ نُعَارِضَ بِقَوْلِ أَحَدٍ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ خِلَافُ مَنْ وَضَعَهُ هَذَا الْمَوْضِعَ، وَلَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ وَتُرِكَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يُرَدَّ لِقَوْلِ أَحَدٍ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاذْكُرْ لِي فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْتَ فِيهِ، قِيلَ لَهُ: مَا وَصَفْتُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، مُفَرَّقًا وَجُمْلَةً مِنْهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُقَدَّمَ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْفَضْلِ، وَقِدَمِ الصُّحْبَةِ، وَالْوَرَعِ، وَالْفِقْهِ، وَالثَّبْتُ، وَالْمُبْتَدِئُ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهُ، وَالْكَاشِفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ يَلْزَمُ، كَانَ يَقْضِي بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ، وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ أَوْ كَتَبَ إِلَيْهِ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَتَرَكَ قَوْلَهُ. وَكَانَ عُمَرُ يَقْضِي أَنَّ فِيَ الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَالْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةِ عَشْرًا عَشْرًا، وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ تِسْعًا، وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا، حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ» ، فَتَرَكَ النَّاسُ قَوْلَ عُمَرَ وَصَارُوا إِلَى كِتَابِ النَّبِيِّ، فَفَعَلُوا فِي تَرْكِ أَمْرِ عُمَرَ لِأَمْرِ النَّبِيِّ فِعْلَ عُمَرَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ، فِي أَنَّهُ تَرَكَ فِعْلَ نَفْسِهِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَاكِمَهُمْ كَانَ يَحْكُمُ بِرَأْيِهِ فِيمَا لِرَسُولِ اللَّهِ فِيهِ سُنَّةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا، وَلَمْ يَعْلَمْهَا أَكْثَرُهُمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلْمَ خَاصِّ الْأَحْكَامِ خَاصٌّ عَلَى مَا وَصَفْتُ، لَا عَامٌّ كَعَامِّ جُمَلِ الْفَرَائِضِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَسَمَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ فَسَوَّى بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَمْ يُفَضِّلْ بَيْنَ أَحَدٍ بِسَابِقَةٍ، وَلَا نَسَبٍ. ثُمَّ قَسَمَ عُمَرُ فَأَلْغَى الْعَبِيدَ، وَفَضَّلَ بِالنَّسَبِ وَالسَّابِقَةِ. ثُمَّ قَسَمَ عَلِيٌّ فَأَلْغَى الْعَبِيدَ وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَلِي الْخُلَفَاءُ وَأَعَمُّهُ وَأَوْلَاهُ أَنْ لَا يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَإِنَّمَا لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قَسْمُ الْفَيْءِ، وَقَسْمُ الْغَنِيمَةِ، وَقَسْمُ الصَّدَقَةِ، فَاخْتَلَفَتِ الْأَئِمَّةُ فِيهَا، وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِ مَا أَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، وَلَا عَلِيٌّ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ لِحَاكِمِهِمْ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمْ خِلَافَ رَأْيِهِ، وَإِنْ كَانَ حَاكِمُهُمْ قَدْ يَحْكُمُ بِخِلَافِ آرَائِهِمْ، لَا أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ، وَفِيهِ مَا يَرُدُّ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ حُكْمَ حَاكِمِهِمْ إِذَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا وَقَدْ رَأَوْا رَأْيَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا رَأْيَهُ فِيهِ لَمْ يُخَالِفُوهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ رَأَوْهُ فِي حَيَاتِهِمْ ثُمَّ رَأَوْا خِلَافَهُ بَعْدَهُ، قِيلَ لَهُ: فَيَدْخُلُ عَلَيْكَ فِي هَذَا، إِنْ كَانَ كَمَا قُلْتَ، أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى قَسْمِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يُجْمِعُوا عَلَى قَسْمِ عَلِيٍّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخَالِفُ صَاحِبَهُ، فَإِجْمَاعُهُمْ إِذًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ حُجَّةً، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا إِجْمَاعٌ، وَلَكِنْ يُنْسَبُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَى فَاعِلِهِ، فَيُنْسَبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِعْلَهُ، وَإِلَى عُمَرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015