كأنّهم الأسود في الشجاعة، وانطلقوا في إثرهم. فلما ابتعدوا عن المدينة عطفت عليهم العساكر المنصورة، وأعملت فيهم السّيوف الجسورة، وانهمر سيل من دماء الكهول والشّباب في الأودية والشّعاب.

ولما حلّ اللّيل، أوى السلطان ذو السّلب الذّهبى (?) إلى فراش حريريّ أسود، بينما ولّى ملك الأمراء وجهه- بتأييد الإله وعظمة دولة السّلطان وقوّة الجيش- إلى حيث يستريح. وبعد تناول الطّعام جعل الرأي للمدام، وقال: أما وقد طفحت الأرض بدماء الثّمالى الأشرار، فلا بأس من أن نعدّ دم الدّنّ- لإصلاح شأن البدن- حلالا وإن كان حراما، فلم يبق من دم العدوّ صاف ولا عكر.

وحين رأى كبار السّن في المدينة أن لم يعد من الشّباب إلا أسماؤهم، إذ فجرّ حدّ السيف من سحاب وجودهم سيولا، قالوا: إن بضعة آلاف من الشّباب البارع في القتال المتقن لدقائقه قد ولّوا وجوههم شطر إقليم العدم، فكانوا كالهشيم تذروه رياح هيبة هذا الجيش، ولم يكن بوسعهم الصّمود لغارة واحدة، فلا حيلة لنا بعد هذا إلّا التضرع/ والتذلّل. فهذا الذي حدث لنا ما نجم إلا عن ضعف الرّأي وفساد التصوّر، ولن يفيد «جزع وقلق بعد ما جرى الكتاب وسبق» (?).

ثم إنهم أرسلوا بضعة أشخاص ممن عرفوا بالخبرة وطول التجربة إلى ملك الأمراء، فقبّلوا الأرض حين سمح لهم بالسّير، وقالوا: أجل، قد بلغت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015