أنتَ المقيمُ فما تَعْدُو رواحِلُهُ ... وأَيْرُهُ أبداً منه على سَفَرِ

حدثني أحمد بن إسماعيل قال، حدثني محمد بن إسحاق قال: قلت لأبي تمام: غلامك أطوع للحسن من غلام الحسن لك، قال: لأن غلامي يجد عنده مالا يجد غلامه عندي، أنا أعطي ذاك قيلاً وقالاً، وهو يعطي غلامي مالاً. وقد روى هذا الخبر على خلاف هذا.

حدثني أبو جعفر المهلبي قال، حدثني ابن أبي فننٍ قال: أنشد أبو تمامٍ محمد بن البعيث مدحاً له، وعند محمدٍ غلام خزري، ومع أبي تمام غلام رومي، فجعل محمد يلمحه، فقال أبو تمامٍ هذا الشعر الرائي، والأول أصح.

حدثني أبو الحسن الأنصاري قال، حدثني أبي وحدثني أبو الفضل الكاتب المعروف بفنجاخ قال: كان الحسن بن وهب يكتب لمحمد بن عبد الملك الزيات وهو يزر للواثق، وكان ابن الزيات قد وقف على ما بين الحسن بن وهبٍ وأبي تمامٍ في غلاميهما، فتقدم إلى بعض ولده، وكانوا يجلسون عند الحسن بن وهب، أن يعلموه خبرهما وما كان منهما، قالا: فعزم غلام أبي تمام على الحجامة، فكتب إلى الحسن يعلمه بذلك ويسأله التوجيه إليه بنبيذٍ، فوجه إليه بمائة دنٍ ومائة دينارٍ وخلعةٍ وبخورٍ، وكتب:

لَيْتَ شِعْري يا أمْلَحَ النَّاسِ عِنْديِ ... هلْ تَدَاوَيْتَ بالحِجَامَةِ بعْدِي؟

دَفَعَ اللهُ عنْكَ ليِ كُلَّ سُوءٍ ... بَاكرٍ رائحٍ وإنْ خُنْتَ عَهدِي

قدْ كتَمْتُ الهوى بمبلغِ جَهْدِي ... فَبَدا مِنه غَيْرُ ما كنتُ أُبْدِي

وَخَلعْتُ العِذارَ فلْيعْلَمِ النَّا ... سُ بأنِّي إِيَّاكَ أُصْفِي بُودِّي

وليَقُولٌوا بما أَحَبُّوا وإن كُنْ ... تَ وَصُولاً ولم تَرُعْنِي بصَدِّ

منْ عَذِيرِي مِنْ مُقْلَتَيْكَ ومِنْ إِشْ ... رَاقِ ثَغْرٍ من تَحْتِ حُمْرَةِ خَدِّ؟

ووضع الرقعة تحت مصلاهُ، وبلغ محمد بن عبد الملك خبر الرقعة، فوجه إلى الحسن فشغله بشيءٍ من أمره، ثم أمر من جاءه بالرقعة، فلما قرأها كتب فيها على لسان أبي تمام:

لَيْتَ شِعْرِي عَنْ لَيْتَ شِعْرِكَ هذَا ... أَبِهَزْلٍ تَقُولُهُ أمْ بِجِدِّ؟

فَلَئنْ كُنتَ في المَقَالِ مُحِقاً ... يا ابْنَ وهْبٍ لَقَدْ تَطَرَّفْتَ بَعْدِي

وتَشبَّهْتَ بِي وكُنْتُ أرَى أَنِّ ... ي أنا العاشقُ المُتيَّمُ وَحْدِي

أَتْرُكُ القَصْدَ في الأُمُورِ ولَوْلاَ ... عَثَرَاتُ الهَوَى لأَبْصَرْتُ قَصْدِي

لاَ أُحِبُّ الذي يَلومُ وإنْ كَا ... نَ حَرِيصاً عَلَى هَلاَكِي وجهَدْيِ

وأحِبُّ الأخَ المُشَارِكَ في الحُبِّ ... وإنْ لَمْ يكُنْ به مِثلُ وَجدْيِ

كنَدِيمَي أبي عَلَىٍ وَحَاشَا ... لَندِيمي من مِثْلِ شِقوةِ جَدِّي

إنَّ مَوْلايَ عبدُ غيري ولَوْلاَ ... شُؤْمُ جَدِّي لكانَ مَوْلاَيَ عَبْدِي

سَيّدي سَيّدي ومَوْلايَ مَنْ أَوْ ... رَثَنِي ذِلَّةً وَأَضْرَعَ خَدِّي

ثم قال: ضعوا الرقعة مكانها، فلما قرأها الحسن قال: إنا لله، افتضحنا والله عند الوزير! وأعلم أبا تمامٍ بما كان، ووجه إليه بالرقعة، قلقيا محمد بن عبد الملك وقالا له: إنما جعلنا هذين سبباً لتكاتبنا بالأشعار، فقال: ومن يظن بكما غير هذ؟ فكان قوله أشد عليهما.

حدثني محمد بن موسى بن حماد قال: كنت عند دعبل بن علي أنا والعمروي سنة خمسٍ وثلاثين بعد قدومه من الشام، فذكرنا أبا تمامٍ، فجعل يثلبه ويزعم أنه يسرق الشعر، ثم قال لغلامه: يا نفنف، هات تلك المخلاة، فجاء بمخلاةٍ فيها دفاتر، فجعل يمرها على يده حتى أخرج منها دفتراً، فقال: اقرءوا هذا، فنظرنا فإذا في الدفتر: قال مكنف أبو سلمى من ولد زهير بن أبي سلمى، وكان هجا ذفافة العبسي بأبياتٍ منها:

إن الضُّرَاطَ به تَصاعَد جَدُّكم ... فَتعاظموا ضَرِطاً بَِني القَعْقَاعِ

قال: ثم رثاه بعد ذلك فقال:

أَبَعْدَ أبي العباسِ يُسْتَعْذَبُ الدَّهرُ ... ومَا بعْدَهُ للدَّهرِ حُسْنٌ ولا عُذْرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015