أن ذلك مما لا يقوى عليه مثله رده إلى الاعتقاد القاطع بما يحتمله قلبه من وعظ وذكر ودليل قريب من فهمه وينبغي أن يتأنق الشيخ ويتلطف به فإن هذه مهالك الطريق ومواضع أخطارها فكم من مريد اشتغل بالرياضة فغلب عليه خيال فاسد لم يقو على كشفه فانقطع عليه طريقه فاشتغل بالبطالة وسلك طريق الإباحة وذلك هو الهلاك العظيم ومن تجرد للذكر ودفع العلائق الشاغلة عن قلبه لم يخل عن أمثال هذه الأفكار فإنه قد ركب سفينة الخطر فإن سلم كان من ملوك الدين وإن أخطأ كان من الهالكين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عليكم بدين العجائز (?) وهو تلقي أصل الإيمان وظاهر الاعتقاد بطريق التقليد والاشتغال بأعمال الخير فإن الخطر في العدول عن ذلك كثير ولذلك قيل يجب على الشيخ أن يتفرس في المريد فإن لم يكن ذكياً فطناً متمكناً من اعتقاد الظاهر لم يشغله بالذكر والفكر بل يرده إلى الأعمال الظاهرة والأوراد المتواترة أو يشغله بخدمة المتجردين للفكر لتشمله بركتهم فإن العاجز عن الجهاد في صف القتال ينبغي أن يسقي القوم ويتعهد دوابهم ليحشر يوم القيامة في زمرتهم وتعمه بركتهم وإن كان لا يبلغ درجتهم ثم المريد المتجرد للذكر والفكر قد يقطعه قواطع كثيرة من العجب والرياء والفرح بما ينكشف له من الأحوال وما يبدو من أوائل الكرامات ومهما التفت إلى شيء من ذلك وشغلت به نفسه كان ذلك فتوراً في طريقه ووقوفاً بل ينبغي أن يلازم حاله جملة عمره ملازمة العطشان الذي لا ترويه البحار ولو أفيضت عليه ويدوم على ذلك ورأس ماله الانقطاع عن الخلق إلى الحق والخلوة

قال بعض السياحين قلت لبعض الأبدال المنقطعين عن الخلق كيف الطريق إلى التحقيق فقال أن تكون في الدنيا كأنك عابر طريق وقال مرة قلت له دلني على عمل أجد قلبي فيه مع الله تعالى على الدوام فقال لي لا تنظر إلى الخلق فإن النظر إليهم ظلمة قلت لا بد لي من ذلك قال فلا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة قلت لا بد لي من ذلك قال فلا تعاملهم فإن معاملتهم وحشة قلت أنا بين أظهرهم لا بد لي من معاملتهم قال فلا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة قلت هذا لعلة قال يا هذا أتنظر إلى الغافلين وتسمع كلام الجاهلين وتعامل البطالين وتريد أن تجد قلبك مع الله تعالى على الدوام هذا ما لا يكون أبداً

فإذاً منتهى الرياضة أن يجد قلبه مع الله تعالى على الدوام ولا يمكن ذلك إلا بأن يخلو عن غيره ولا يخلو عن غيره إلا بطول المجاهدة فإذا حصل قلبه مع الله تعالى انكشف له جلال الحضرة الربوبية وتجلى له الحق وظهر له من لطائف الله تعالى ما لا يجوز أن يوصف بل لا يحيط به الوصف أصلا وإذا انكشف للمريد شيء من ذلك فأعظم القواطع عليه أن يتكلم به وعظاً ونصحاً ويتصدى للتذكير فتجد النفس فيه لذة ليس وراءها لذة فتدعوه تلك اللذة إلى أن يتفكر في كيفية إيراد تلك المعاني وتحسين الألفاظ المعبرة عنها وترتيب ذكرها وتزيينها بالحكايات وشواهد القرآن والأخبار وتحسين صنعة الكلام لتميل إليه القلوب والأسماع فربما يخيل إليه الشيطان أن هذا إحياء منك لقلوب الموتى الغافلين عن الله تعالى وإنما أنت واسطة بين الله تعالى وبين الخلق تدعو عباده إليه ومالك فيه نصيب ولا لنفسك فيه لذة ويتضح كيد الشيطان بأن يظهر في أقرانه من يكون أحسن كلاماً منه وأجزل لفظاً وأقدر على استجلاب قلوب العوام فإنه يتحرك في باطنه عقرب الحسد لا محالة إن كان محركه كيد القبول وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015