هذه الأخبار هو الباب الباطن فإذا الفرق بين علوم الأولياء والأنبياء وبين علوم العلماء والحكماء هذا وهو أن علومهم تأتي من داخل القلب من الباب المنفتح إلى عالم الملكوت وعلم الحكمة يتأتى من أبواب الحواس المفتوحة إلى عالم الملك وعجائب عالم القلب وتردده بين عالمي الشهادة والغيب لا يمكن أن يستقصى في علم المعاملة فهذا مثال يعلمك الفرق بين مدخل العالمين

المثال الثاني يعرفك الفرق بين العملين أعني عمل العلماء وعمل الأولياء فإن العلماء يعملون في اكتساب نفس العلوم واجتلابها إلى القلب وأولياء الصوفية يعملون في جلاء القلوب وتطهيرها وتصفيتها وتصقيلها فقط فقد حكي أن أهل الصين وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور فاستقر رأي الملك على أن يسلم إليهم صفة لينقش أهل الصين منها جانبا وأهل الروم جانبا ويرخي بينهما حجاب يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك فجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة ما لا ينحصر ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلوا يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد فرغوا أيضاً فعجب الملك من قولهم وأنهم كيف فرغوا من النقش من غير صبغ فقيل وكيف فرغتم من غير صبغ فقالوا ما عليكم ارفعوا الحجاب فرفعوا وإذا بجانبهم يتلألأ منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشراق وبريق إذ كان قد صار كالمرآة المجلوة لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد التصقيل فكذلك عناية الأولياء بتطهير القلب وجلائه وتزكيته وصفائه حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل أهل الصين وعناية الحكماء والعلماء بالاكتساب ونقش العلوم وتحصيل نقشها في القلب كفعل أهل الروم فكيفما كان الأمر فقلب المؤمن لا يموت وعلمه عند الموت لا يمحى وصفاؤه لا يتكدر وإليه أشار الحسن رحمه الله عليه بقوله التراب لا يأكل محل الإيمان بل يكون وسيلة وقربة إلى الله تعالى

وأما ما حصله من نفس العلم وما حصله من الصفاء والاستعداد لقبول نفس العلم فلا غنى به عنه ولا سعادة لأحد إلا بالعلم والمعرفة وبعض السعادات أشرف من بعض كما أنه لا غنى إلا بالمال فصاحب الدرهم غني وصاحب الخزائن المترعة غني وتفاوت درجات السعداء بحسب تفاوت المعرفة والإيمان كما تتفاوت درجات الأغنياء بحسب قلة المال وكثرته فالمعارف أنوار ولا يسعى المؤمنون إلى لقاء الله تعالى إلا بأنوارهم قال الله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وقد روي في الخبر أن بعضهم يعطى نوراً مثل الجبل وبعضهم أصغر حتى يكون آخرهم رجلاً يعطى نوراً على إبهام قدميه فيضيء مرة وينطفيء أخرى فإذا أضاء قدم قدميه فمشى وإذا طفيء قام ومرورهم على الصراط على قدر نورهم فمنهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنه من يمر كانقضاض الكواكب ومنهم من يمر كالفرس إذا اشتد في ميدانه والذي أعطي نوراً على إبهام قدمه يحبوحبوا على وجهه ويديه ورجليه يجر يداً ويعلق أخرى ويصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص (?) حديث صحيح على شرط الشيخين

الحديث فبهذا يظهر تفاوت الناس في الإيمان ولو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين سوى النبيين والمرسلين لرجح فهذا أيضاً يضاهي قول القائل لو وزن نور الشمس بنور السرج كلها لرجح فإنما أحاد العوام نوره مثل نور السراج وبعضهم نوره كنور الشمع وإيمان الصديقين نوره كنور القمر والنجوم وإيمان الأنبياء كالشمس وكما ينكشف في نور الشمس صورة الآفاق مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015