تركت على الطريق لم لا ترد إلى مواضعها فقالوا له تلك الأواني في مواضعها وإنما أنت لست تهتدي للطريق لعماك فالعجب منك أنك لا تحيل عثرتك على عماك وإنما تحيلها على تقصير غيرك فهذه نسبة العلوم الدينية إلى العلوم العقلية

والعلوم العقلية تنقسم إلى دنيوية وأخروية

فالدنيوية كعلم الطب والحساب والهندسة والنجوم وسائر الحرف والصناعات

والأخروية كعلم أحوال القلب وآفات الأعمال والعلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله كما فصلناه في كتاب العلم وهما علمان متنافيان أعني أن من صرف عنايته إلى أحدهما حتى تعمق فيه قصرت بصيرته عن الآخر على الأكثر ولذلك ضرب علي رضي الله عنه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما ككفتي الميزان وكالمشرق والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى

ولذلك ترى الأكياس في أمور الدنيا وفي علم الطب والحساب والهندسة والفلسفة جهالاً في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالاً في أكثر علوم الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بالأمرين جميعاً في الغالب فيكون أحدهما مانعاً من الكمال في الثاني ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن أكثر أهل الجنة البله (?) أي البله في أمور الدنيا

وقال الحسن في بعض مواعظه لقد أدركنا أقواماً لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو أدركوكم لقالوا شياطين فمهما سمعت أمراً غريباً من أمور الدين جحده أهل الكياسة في سائر العلوم فلا يغرنك جحودهم عن قبوله إذ من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما يوجد في المغرب فكذلك يجري أمر الدنيا والآخرة ولذلك قال تعالى {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} الآية وقال تعالى {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} وقال عز وجل فأعرض عمن تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدنيا ذلك مبلغهم من العلم فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن رسخه الله لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس المستمدون من القوة الإلهية التي تتسع لجميع الأمور ولا تضيق عنها فأما قلوب سائر الخلق فإنها إذا استقلت بأمر الدنيا انصرفت عن الآخرة وقصرت عن الاستكمال فيها

بيان الفرق بين الإلهام والتعلم والفرق بين طريق الصوفية في استكشاف الحق

وطريق النظار

اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية وإنما تحصل في القلب في بعض الأحوال تختلف الحال في حصولها فتارة تهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدري وتارة تكتسب بطريق الاستدلال والتعلم فالذي يحصل لا بطريق الاكتساب وحيلة الدليل يسمى إلهاماً والذي يحصل بالاستدلال يسمى اعتباراً واستبصاراً ثم الواقع في القلب بغير حيلة وتعلم واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما لا يدري العبد أنه كيف حصل له ومن أين حصل وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب

والأول يسمى إلهاماً ونفثاً في الروع

والثاني يسمى وحياً وتختص به الأنبياء

والأول يختص به الأولياء والأصفياء والذي قبله وهو المكتسب بطريق الاستدلال يختص به العلماء وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لأن تنجلي فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015