أعطى الخليفة رجلاً بدرة وقال

اتبع الشيخ فإن رأيته يقول قلت لأمير المؤمنين وقال لي فلا تعطه شيئاً وإن رأيته لا يكلم أحداً فأعطه البدرة

فلما خرج من القصر إذا هو بنواة في الأرض قد غاصت فجعل يعالجها ولم يكلم أحداً فقال له يقول لك أمير المؤمنين خذه هذه البدرة فقال قل لأمير المؤمنين يردها من حيث أخذها

ويروى أنه أقبل بعد فراغه من كلامه على النواة التي يعالج قلعها من الأرض وهو يقول

أرى الدنيا لمن هي في يديه ... هموماً كلما كثرت لديه

تهين المكرمين لها بصغر ... وتكرم كل من هانت عليه

إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما أنت محتاج إليه

وعن سفيان الثوري رحمه الله قال حج المهدي سنة ست وستين ومائة فرأيته يرمي جمرة العقبة والناس يخبطون يمينا وشمالاً بالسياط فوقفت فقلت يا حسن الوجه حدثنا أيمن عن وائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على جمل لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك (?)

وها أنت يخبط الناس بين يديك يميناً وشمالا

فقال لرجل من هذا قال سفيان الثوري

فقال يا سفيان لو كان المنصور ما احتملك على هذا فقال لو أخبرك المنصور لقى لقصرت عما أنت فيه

قال فقيل له إنه قال لك يا حسن الوجه ولم يقل لك يا أمير المؤمنين فقال اطلبوه فطلب سفيان فاختفى وقد روى عن المأمون أنه بلغه أن رجلاً محتسباً يمشي في الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر

ولم يكن مأموراً من عنده بذلك فأمر بأن يدل عليه

فلما صار بين يديه قال له إنني بلغني أنك رأيت نفسك أهلاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير أن نأمرك وكان المأمون جالساً على كرسي ينظر في كتاب أو قصة فأغفله فوقع منه فصار تحت قدمه من حيث لم يشعر به فقال له المحتسب ارفع قدمك عن أسماء الله تعالى ثم قل ما شئت فلم يفهم المأمون مراده فقال ماذا تقول حتى أعاده ثلاثاً فلم يفهم فقال إما رفعت أو أذنت لي حتى أرفع

فنظر المأمون تحت قدمه فرأى الكتاب فأخذه وقبله وخجل

ثم عاد وقال لم تأمر بالمعروف وقد جعل الله ذلك إلينا أهل البيت ونحن الذين قال الله تعالى فيهم الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فقال صدقت يا أمير المؤمنين أنت كما وصفت نفسك من السلطان والتمكن غير أنا أعوانك وأولياؤك فيه

ولا ينكر ذلك إلا من جهل كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال الله تَعَالَى وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف الآية

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً (?)

وقد مكنت في الأرض وهذا كتاب الله وسنة رسوله فإن انقدت لهما شكرت لمن أعانك لحرمتهما

وإن استكبرت عنهما ولم تنقد لما لزمك منهما فإن الذي إليه أمرك وبيده عزك وذلك قد شرط أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً فقل الآن ما شئت فأعجب المأمون بكلامه وسر به وقال مثلك يجوز له أن يأمر بالمعروف

فامض على ما كنت عليه بأمرنا وعن رأينا

فاستمر الرجل على ذلك

ففي سياق هذه الحكايات بيان الدليل على الاستغناء عن الإذن

فإن قيل أفتثبت ولاية الحسبة للولد على الوالد والعبد على المولى والزوجة على الزوج والتلميذ على الأستاذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015