الفتنة مخوفة عليه فلذلك لم يحترز

فإذن يختلف هذا بأحوال المرأة وأحوال الرجل في كونه شاباً وشيخاً ولا يبعد أن يختلف الأمر في مثل هذا بالأحوال

فإنا نقول للشيخ أن يقبل زوجته وهو صائم وليس للشاب ذلك لأن القبلة تدعو إلى الوقاع في الصوم وهو محظور والسماع يدعو إلى النظر والمقاربة وهو حرام فيختلف ذلك أيضاً بالأشخاص

العارض الثاني في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرف أو المخنثين وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة

فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة

وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات

العارض الثالث في نظم الصوت وهو الشعر فإن كان فيه شيء من الخنا والفحش والهجو أو ما هو كذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أو على الصحابة رضي الله عنهم كما رتبه الروافض في هجاء الصحابة وغيرهم فسماع ذلك حرام بألحان وغير ألحان والمستمع شريك للقائل

وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها فإنه لا يجوز وصف المرأة بين الرجال

وأما هجاء الكفار وأهل البدع فذلك جائز

فقد كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينافح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهاجي الكفار وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك (?)

فأما النسيب وهو التشبيه بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء فهذا فيه نظر

والصحيح أنه لا يحرم نظمه وإنشاده بلحن وغير لحن

وعلى المستمع أن لا ينزله على امرأة معينة فإن نزله فلينزله على من يحل له من زوجته وجاريته فإن نزله على أجنبية فهو العاصي بالتنزيل وإحالة الفكر فيه

ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع رأساً فإن من غلب عليه عشق نزل كل ما يسمعه عليه سوء كان اللفظ مناسباً له أو لم يكن إذ ما من لفظ إلا ويمكن تنزيله على معان بطريق الاستعارة فالذي يغلب على قلبه حب الله تعالى يتذكر بسواد الصدغ مثلا ظلمة الكفر وبنضارة الخد نور الإيمان وبذكر الوصال لقاء الله تعالى وبذكر الفراق الحجاب عن الله تعالى في زمرة المردودين وبذكر الرقيب المشوش لروح الوصال عوائق الدنيا وآفاتها المشوشة لدوام الأنس بالله تعالى ولا يحتاج في تنزيل ذلك عليه إلى استنباط وتفكر ومهلة بل تسبق المعاني الغالبة على القلب إلى فهمه مع اللفظ

كما روي عن بعض الشيوخ أنه مر في السوق فسمع واحداً يقول الخيار عشرة بحبة فغلبه الوجد فسئل عن ذلك فقال إذا كان الخيار عشرة بحبة فما قيمة الأشرار واجتاز بعضهم في السوق فسمع قائلاً يقول يا سعتر برى فغلبه الوجد فقيل له على ماذا كان وجدك فقال سمعته كأنه يقول اسع ترى برى حتى إن العجمى قد يغلب عليه الوجد على الأبيات المنظومة بلغة العرب فإن بعض حروفها يوازن الحروف العجمية فيفهم منها معان آخر

أنشد بعضهم

وما زارني في الليل إلا خياله ...

فتواجد عليه رجل أعجمي

فسئل عن سبب وجده فقال إنه يقول ما زاريم

وهو كما يقول فإن لفظ زار يدل في العجمية على المشرف على الهلاك فتوهم أنه يقول كلنا مشرفون على الهلاك فاستشعر عند ذلك خطر هلاك الآخرة

والمحترق في حب الله تعالى وجده بحسب فهمه وفهمه بحسب تخيله وليس من شرط تخيله أن يوافق مراد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015